نفى عضو هيئة كبار العلماء عضو مجلس القضاء الأعلى الدكتور علي بن عباس حكمي، أن تكون عقوبة المعتدي على المال العام كعقوبة السارق، مبينا أن العقوبة الدنيوية لخيانة الأمانة في الوظائف العامة والاستيلاء على أي شيء من المال العام بطريق غير مشروع ليست من قبيل الحدود، وإنما هي عقوبة تعزيرية تبدأ بأدنى ما يحصل به التأديب وتنتهي بأقصى درجات العقاب البدنية والمعنوية والمالية. موضحا أنه لكل حالة من أحوال الخيانة في الوظيفة العامة (الفساد المالي والإداري) عقوبتها التعزيرية المناسبة بحسب ضخامة الجريمة وشدة آثارها، وبحسب حال مرتكبها، مفيدا أن بعض العقوبات قد تكون أشد وأبلغ من بعض الحدود، مضيفا «ثبت من السنة النبوية ومن أفعال وأقوال الخلفاء الراشدين (رضي الله عنهم) أمثلة وأنواع من تلك العقوبات، منها ما صح عنه (صلى الله عليه وسلم) أنه أنكر على أحد عماله عندما أتى إليه وقال: هذا لكم وهذا أهدي لي. فقام صلى الله عليه وسلم وأعلن في الملأ قائلا:«فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله فيأتي فيقول: هذا لكم وهذا أهدي إلي. ألا جلس في بيت أمه أو أبيه لينظر أيهدى له. أو كما قال عليه الصلاة والسلام». ولفت حكمي إلى أنواع العقوبة، ومنها: العزل عن الوظيفة ومصادرة ما استولى عليه من مال، ومنها أخذ شطر ماله، واستدل على ذلك بفعل عمر مع بعض عماله بمجرد الريبة والتهمة، بل تقرر في الفقه الإسلامي في شأن محاسبة الولاة المقولة المشهورة «من أين لك هذا؟» وقد يجمع بين تلك الأنواع من العقوبات ويضم إليها ما هو أشد حسب مقتضى الحال. وشدد حكمي على أنه لن يصلح حال الناس وتزول أو على الأقل تقل حالة الفساد المالي والإداري إلا بتطبيق شرع الله بقوة وحزم على المخالفين، وتنفيذ مقتضيات الأنظمة المعالجة لهذه الظاهرة التطبيق الصحيح الكامل على الجميع دون استثناء أو محاباة. وبين حكمي أن استغلال الموظف مركزه ووظيفته لمصالحه الخاصة مادية أو معنوية على حساب مصالح المجتمع وواجبات الوظيفة، خيانة للأمانة التي يتحملها الإنسان، مستندا على أن الوظيفة ولاية من الولايات العامة، معتبرا أن الإخلال بشيء من ذلك خيانة لله سبحانه وتعالى، ثم لولي أمر المسلمين ولأصحاب الحقوق الذين تتعلق حقوقهم بتلك الوظيفة، مبينا أن الشريعة وضعت طريقين للحفاظ على الأمانة منها وقائية والأخرى عقابية. وحذر حكمي من الاستيلاء على المال العام بقوله مستدلا بوصف الرسول صلى الله عليه وسلم لمن أخذ شيئا من المال العام بغير حق بالغلول، والغلول من كبائر الذنوب (ومن يغلل يأتي بما غل يوم القيامة) وأنى له ذلك. مضيفا: قال عليه الصلاة والسلام: «ما من عبد يلي أمرا من أمور المسلمين ثم لا يجتهد لهم ولا ينصح لهم إلا لم يدخل الجنة»، وهناك أحاديث أخرى في هذا المعنى، مؤكدا على أن كل ما يتحصل عليه الموظف العام بسبب وظيفته بطريق غير مشروع (مباشر أو غير مباشر) فهو سحت وظلم، «وكل جسد نبت من سحت فالنار أولى به».