مئات الآلاف من العاملات المنزليات تغص بهن بيوتنا وندفع الملايين لاستقدامهن، وندفع أكثر من ذلك رواتب ومصاريف أخرى طوال فترة إقامتهن. البعض يبقين لدى الأسر لسنوات، والأخريات قد يهربن خلال أيام بلا حسيب ولا رقيب. هذه ليست القضية الآن، وإنما القضية هي الخادمة الإندونيسية التي تعرضت للتعذيب في المدينةالمنورة، وما حظيت به هذه الحادثة من اهتمام ومتابعة وسائل الإعلام السعودية والإندونيسية، مما استدعى الرئيس الإندونيسي إلى التدخل وإرسال أحد مسؤوليه للمملكة للاطمئنان على مواطنته، وبما يظهر حرصه على متابعة شؤون رعاياه في الخارج. نحن لا نقر التعذيب، ولا سوء المعاملة في حق الخادمات، ونطالب بمعاقبة من ينتهج هذا السلوك، فكلنا بشر ولنا حقوق وعلينا واجبات، ولكن وسائل إعلامنا لم تكن على قدر كاف من مهنية التعامل بحيث تظهر للآخرين في الخارج أن مثل هذه الحوادث ليست الصورة الحقيقية لمجتمعنا الإسلامي المحافظ، وإنما هي حالات فردية لا تستوجب التعميم. شاهدت على اليوتيوب التقرير الذي عرضته إحدى القنوات الإندونيسية عن خادمة المدينةالمنورة، والذي اشتمل على صورة مشوهة لوجهها، وعلى لقاءات مع إندونيسيين قالوا كلاما أعتقد أن فيه الكثير من الإساءة للمملكة وللسعوديين. كما اشتمل التقرير على لقاء هاتفي مع الخادمة وهي تئن من الألم، وأظهر لنا أيضا صورتها قبل أن يشوهها الضرب للتأكيد على فداحة ما حصل لها، وجاء في نهاية التقرير الآية الكريمة (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ... إلخ الآية)، مثل هذا التقرير كفيل بتأليب الرأي العام الإندونيسي ضد المملكة وإظهارها بصورة البلد المتخلف الذي لا يحسن مواطنوه التعامل مع بني البشر. في الطرف المقابل أتساءل أين إعلامنا من التصدي لمثل هذه الحملات المغرضة، لا نريد أن يكون الإيضاح لمواطنينا ولكن لمن تهمه مثل هذه الأمور ويسعى لتشويه صورة المملكة. نريد (اختراقا) مهنيا لإعلام الآخرين برسائل تبرز كيف نحن، وما هي سلوكياتنا وتعاملاتنا مع من يعمل في منازلنا، نريد أن نوضح أن هذه الخادمة التي صورها إعلام بلادها كضحية هناك العديد من بنات جنسها ارتكبن أفضع الجرائم وأقساها ضد من أحسن إليهن من الأسر السعودية. هل نسينا الطفلة (مها) ذات الشهرين التي هربت بها خادمة المنزل وحلقت شعرها وشوهت حواجبها تمهيدا لنوايا أخرى قبل أن يتمكن رجال الأمن بفضل الله من القبض عليها. هل نسينا الطفل (مشاري) ذا الثلاثة أشهر الذي لفظ أنفاسه في مستشفى القوات المسلحة في الرياض متأثرا بسم الفئران الذي وضعته له الخادمة في الحليب. أم هل نسينا الخادمة التي سحرت (ولاء) وعائلتها إلى غير ذلك من الحوادث التي تقشعر لها الأبدان. نريد إعلامنا أن يصل إلى الجمهور المستهدف. نريد أن نستكتب الأقلام القادرة على تخطي الحدود والكتابة في مطبوعات، لاسيما العالمية منها. نريد تصاريح صحافية مدروسة بدقة توزع على كافة وسائل الإعلام وخاصة الدولية منها لبيان الحقيقة تجاه ما يحدث عندنا دون المبالغة. نريد متابعة أكثر من سفاراتنا في الخارج لكل ما يكتب ويذاع عن بلادنا، ويقف وراءه أقلام مسمومة كي نصحح الصورة بطريقة مناسبة. نريد استخداما أفضل لوسائل النشر الإلكتروني وخاصة المصورة منها لعرض مشاهد تعبر الآفاق لتوضح الحقيقة، وبغير هذه الآليات سنبقى دائما في وضع المقصر، وتبقى أصابع الاتهام موجهة إلينا، ولعل ما حصل في قضية خادمة المدينةالمنورة والحملة المنظمة ضد المملكة ما يكفي لتغيير الرؤية المستقبلية ويلقي مزيدا من المسؤولية على وسائل إعلامنا بكافة أشكالها. [email protected]