من غرائب أساطير العلوم نجد قصة إسحق نيوتن الذي كان جالسا تحت الشجرة.. الله أعلم ماذا كان يفعل.. وفجأة هوت تفاحة بالقرب منه فأوحت له بنظرية الجاذبية. كلام جميل ولكنه غير صحيح. والصحيح أن إسحق نيوتن كان على أتم الاستعداد لاكتشاف النظرية، فقد كان من أذكى العلماء في التاريخ، بالإضافة إلى أنه قد بذل مئات الساعات في مكاتب، ومعامل، ومكتبات جامعة كامبردج المتميزة في إنجلترا. الرجل كان مستعدا لاكتشافات عظيمة.. طرأت هذه القصة على البال عندما تم الإعلان خلال الأسبوع الماضي عن التزام الصين بإنتاج طائرة تجارية جديدة بالكامل باسم «سي 919». وفي الصين يتفاءلون ببعض الأرقام التي تلفظ ككلمات جميلة، أو كتلك التي تبشر بالخير. ولفظ الرقم 9 هو «الاستمرارية» أو «الاستدامة» وهو من الألفاظ المحببة في الثقافة الصينية. ومن جانب آخر فالرقم 4 لفظة «تشي» مثلا هو قريب من لفظ «الموت»، ولذا فلن تجد طائرات، أو حتى رحلات طيران صينية محتوية على هذا الرقم. والحرف «سي» هو أول حروف الأبجدية الصينية.. طبعا الأهم من هذا وذاك أن الصين تنوي منافسة عملاقين لديهما أكثر من مائة وأربعين سنة خبرة في مجال صناعة الطيران، وأكثر من نصفها في ريادة المجال.. وتصميم وتصنيع الطائرة هو مسؤولية الشركة التجارية الصينية للطيران «كوماك» المملوكة للحكومة الوطنية وللحكومة المحلية أيضا (بلدية شنجاهاي) .. وجدير بالذكر أن هناك أكثر من ستمائة ألف إنسان في الصين يعملون ضمن قطاع صناعة الطيران والفضاء. والصين مستعدة للخوض في هذا المجال بجدية لأن لديها خبرة واسعة بدأتها بتجميع الطائرات الحربية السوفيتية منذ عشرات السنين، ثم طورت تلك الصناعات فبدأت تقتبس وتصمم وتنتج طائراتها الحربية، وبعض من مكونات الطائرات المدنية. وحصلت أيضا على رخص إنتاج مكونات أساسية للطائرات الغربية، ثم توجت أخيرا هذه الجهود والخبرات بتجميع طائرات بأكملها في الصين. وعلى سبيل المثال لا الحصر تنتج طائرة الإيرباص 320 في مصنع «تيانجين» الصيني بمعدل يكاد أن يصل إلى ثلاث طائرات شهريا. وهناك مصنع لشركة بوينج الأمريكية في «تيانجين» أيضا ينتج أجزاء أساسية لطائرات البوينج 737 و 747 و 777 و787. هذا بالإضافة إلى العديد من الشراكات مع شركات تصنيع الطائرات الرائدة العالمية الأخرى ومنها «بومباردييه» الكندية، و«إمبراير» البرازيلية، و «سيسنا» الأمريكية، و «يوروكوبتر» الأوروبية.. الشاهد أن الطائرة الجديدة هي نتاج تراكم خبرات كثيرة، واستعداد، وتحالفات قوية: المحركات ستكون أمريكية/فرنسية، وأجهزة التحكم أمريكية، وأجهزة الملاحة أمريكية، ومعظم التقنيات الحديثة جدا ستكون أمريكية أو أوروبية. وحتى شكل الطائرة وحجمها يوحى لك بأنها «إيرباص» أو «بوينج». وهي بعيدة كل البعد عن ما قد يطرأ على البال أنها تقليد رخيص من فئة «أبو خمسة ريال» المضروبة. وللعلم فهي ليست الأقل في التكلفة عالميا ولكنها تتمتع بمستوى جودة عالمي جيد جدا. أمنية طبعا بعد كل هذا شعرت بالغيرة والحزن، وخصوصا أن قطاع الطيران في وطننا كان سابقا لزمانه فقد قدم تقنيات حديثة قبل أي بلد في الشرق الأوسط، ولكن للأسف فإن مجال تصنيع الطيران لم يجار ذلك المستوى.. أتمنى أن نشهد تصاعدا في مستوى الإبداع في ذلك القطاع حتى ولو كان في تصنيع وتطوير بعض الأجزاء الثانوية لنستعد. والله من وراء القصد. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 122 مسافة ثم الرسالة