كل عام ووطننا الغالي، قيادة وشعبا، بخير وسلام وأمن ورخاء، فهذه أمنيات من القلب أرجو الله تعالى أن يحققها لي في هذه الأيام المباركة. لكن الأماني وحدها لا تكفي، والدعاء لا بد أن يقترن بالعمل والإخلاص، ولا أعتقد أن الخير والسلام والأمن والرخاء يمكن أن يعم وهناك ما يمكن أن يعكر صفو الحياة، ويكدر الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، وأقصد تحديدا تلك المشكلة التي تتجدد كل عام في مثل هذه الأوقات. لقد كتب الكثيرون وأنا منهم من قبل عن مشكلة تخلف العديد من حجاج بيت الله الحرام، ضيوف الرحمن، بعد انتهاء موسم الحج، وما تشكله هذه الظاهرة من سلبيات خطيرة على أمن الوطن، والمواطن، فهي أشبه بالهجرة غير الشرعية التي تعاني منها بلدان الغرب، وتسن القوانين لمحاربتها وتقليصها، فالمقيم غير الشرعي أيا كان محل إقامته طالما استباح لنفسه أن يقيم بصورة غير شرعية، فلن يراعي «الشرعية» في هذا المكان، ولن يتصرف بصورة شرعية في نهج حياته. ومما أسعدني، أنني شاهدت في فضائيات عربية شقيقة، برامج إعلانية قصيرة، يقوم فيها علماء أجلاء ومشاهير، بتحذير الذين عزموا الحج من التخلف في الأراضي المقدسة، لأنه مخالف للشرع، ويضيع ثواب الحاج، وما أجدرنا نحن أن نقوم بجهود توعوية للمواطنين والمقيمين، لتبصيرهم بخطورة ظاهرة تخلف الحجاج على شتى المستويات. فأرباب الأعمال من السعوديين، الذين يستغلون المتخلفين من الحجاج، ويوظفونهم بأجور أقل، لمزيد من الأرباح، لا يخالفون الأنظمة والقوانين وحسب، بل هم يرتكبون جريمة بشعة في حق الوطن ومن يعيش على أرضه، ونحن نعرف جيدا أن كثيرا من هؤلاء المتخلفين، قد يلجؤون إلى ارتكاب العديد من الجرائم كالسرقة والنصب والاحتيال، بل وأحيانا القتل، من أجل الحصول على المال، عندما لا يجدون موارد يعيشون منها، ناهيك عما قد يحمله هؤلاء المتخلفون من أمراض يمكن أن تنتشر بين المواطنين والمقيمين على حد سواء، وما يتركونه من سلوكيات مستهجنة بين الناس.. إن من يقوم بتشغيل هؤلاء قد أجرم في حق الوطن، ومن يتستر على وجودهم قد أسهم كذلك في جريمة بحق البلاد، وإذا كنت من خلال مقالي هذا أطالب بتشديد العقوبات على من يقوم بتشغيل متخلف أو إسكانه أو التستر على وجوده بأي شكل من الأشكال، فإني أوجه الدعوة للمواطنين والمقيمين لرد الجميل لهذا البلد الذي أعطاهم ولم يبخل عليهم بالعمل والتربح وبنعمة الأمن والأمان، ولا يظن هؤلاء أنهم في منأى عن شرور وجرائم المتخلفين، فحتما سيتعرضون هم ومن يحبون لهذه الشرور، فالمجرم لا يفرق بين ضحاياه عندما تضيق به السبل، ولا يجد أمامه سوى السرقة أو الاحتيال أو حتى القتل. فليقم كل مواطن بدوره من أجل حماية أمن واستقرار هذا البلد، وحبذا لو قدمت وزارة الداخلية مكافآت وحوافز مادية مجزية، لكل من يبلغ عن متخلف لم يعد إلى بلاده بعد أدائه لفريضة الحج. وإذا كان الشعب السعودي، شعبا كريما ومضيافا، فإن الكرم كله، والضيافة كلها، لمن يأتي البلاد من أبوابها، بشكل شرعي، فهو يستحق منا الرعاية والاحترام، وله كافة الحقوق التي للضيف، وإن طالت إقامته، طالما جاءنا بشكلٍ رسمي، أما ما عدا ذلك، فلا كرم ولا ضيافة، ولا تفريط في حق الوطن، وفي حقوق العباد على أرض هذا الوطن. لعلي بتلك الكلمات أكون قد حذرت، وأنذرت، وقديما قالوا: «لقد أعذر من أنذر».. وكل عام وبلادنا بخير. [email protected]