سبحان الله أن الإعجاز الإلهي في التصميم لا يمهلنا فترات زمنية لنستمتع بما رأينا وفهمنا إلا ليضيف المزيد، ثم يضيف فيبهرنا، ثم يضيف ليذكرنا بعظمته.. ولو تأملنا في بعض من أصغر وأضعف مخلوقاته فسنجد أروع الأمثلة على ذلك.. والديدان بشكل عام تسبب لنا قشعريرة في شكلها، وخصائصها، ومدلولاتها، ولكن لابد وأن نتوقف عند دودة القز بشكل خاص لنتأمل في روائعها.. نبدأ باسمها العلمي وهو «بومبكس موري» وهو اسم جميل يليق باسم طائرة جديدة، أو سيارة مميزة، أو حتى إحدى العطور الفرنسية الغالية «الهوت كوتير». والدودة مميزة الشكل لأنها نظيفة الملمس ولا تشوب أسطحها مواد لزجة. وهي زاهية اللون وصغيرة فمتوسط حجمها يعادل تقريبا طول آخر 4 كلمات في هذه الجملة. ولكن الفائدة العظيمة لهذه "البومبكس" هي في انتاجها للحرير الطبيعي. تحرص الدودة على أكل كميات كبيرة من أوراق أشجار التوت. وهي تأكل، وتأكل لفترات طويلة جدا، وتغير جلودها مرة بعد الأخرى لحوالي خمس مرات. وبعدها تفرز خط حريري من فكها القوي، وتقوم بتحريك رأسها بشكل الرقم ثمانية اللاتيني 8 وكأنها ترقص لتحيك بيتها الشهير باسم «الفيلجة» الذي يشبه «الرطب» المغطى بالصوف الأبيض. وتلف بإرادة الله هذا البيت حول جسدها ليغطيها بالكامل. ولو خرجت من هذا الوعاء الحريري فستتغير بحكمة الخالق إلى «عثة» لتضع حوالي خمس مائة بيضة، كل منها ممكن أن تنمو لتصبح دودة قز. والتقنيات التقليدية لاستخراج الحرير الطبيعي تتصرف في هذه «الفيلجة» بطرق عجيبة. تطبخها لتخرج من كل منها خيطا حريريا يفوق إجمالي طوله ارتفاع مبنى الفرع الرئيس للبنك الأهلي في وسط جدة، زائد ارتفاع برج المملكة في الرياض، وزائد ارتفاع برج الفيصلية، وأكثر قليلا.. الشاهد أن هذا الخط الحريري يتم لفه وتحضيره ليكون الحرير الطبيعي. ويتميز بقوته، ولمعانه، ونعومته، وتقبله للصباغة، ومداعبته للضوء لينتج لمعانه المميز، ويتميز أيضا بأنه بارد صيفا ودافئ شتاء مما يجعله أحد الأقمشة المفضلة للسيدات حول العالم. وكانت بدايته في الصين، وقامت حوله إمبراطورية واسعة النطاق وهي «التانج» كما قامت تجارة عالمية بنت من خلالها «الدرب الحريري» من شرق الصين إلى شمال البحر الأبيض بطول يفوق العشرة آلاف كيلو متر. وكانت أسرار الدودة تعتبر أسرار الإمبراطورية لدرجة أن عقوبة من يفشي بتفاصيلها القتل، وبالرغم من ذلك فقد تم تهريب بعض التفاصيل الكافية لتصبح إيطاليا إحدى المراكز التجارية الكبرى في العالم بسبب تصنيع وتجارة الحرير. وبعدها انتشرت التجارة والصناعة إلى فرنسا حيث تدخل ملك فرنسا لويس الحادي عشر شخصيا لمنح الإعفاءات الضريبية، والدعم المباشر لتربية الدودة وتنمية صناعة وتجارة الحرير. وبعدها انتشرت الظاهرة بسرعة إلى إنجلترا في القرن السابع عشر. ومن روائع البومبكس هي مادة «البومبيكول» التي تصدرها «العثة». هذه المادة تجذب ذكور الحشرة البالغة إلى الإناث. وقد تم اكتشافها عام 1959 وتم تصنيعها كمادة مقاومة للحشرات، فهي تستخدم لخداع ذكور الحشرات الضارة وقتلهم بطريقة شرانية.. «وين رايحين شباب؟ عند إناث العثة؟ بومبيكووووول!!". أمنيتان ينتج العالم اليوم كمية هائلة من الحرير تكفي لللف حول كوكب الأرض أكثر من مليون مرة. تخيل لو قرر أغنياء العالم أن يستغنوا عن الحرير لمدة شهر واحد في بداية موسم هذا البرد ويرسلوا «دقدديق» واحد لكل طفل محتاج في فلسطين، وأفغانستان، والمناطق المتضررة من الفيضانات في باكستان. أتمنى أن يتحقق هذا الخيال. وأتمنى أيضا أن نستمر في استكشاف هذه المعجزات الرائعة حولنا اليوم وكل يوم. والله من وراء القصد. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 122 مسافة ثم الرسالة