48 ساعة قضاها 100 عالم وإعلامي من المملكة في مدينتي سيئون وتريم في اليمن؛ لمشاركة 400 آخرين من بلاد «السعيدة» في الندوة العلمية «الربانيون.. وراثة النبوة وعظم المسؤولية»، التي هي بمثابة ملتقى جمع علماء المملكة واليمن، فكانت ساعات مليئة بالحيوية واللقاءات الفكرية بين المتخصصين الشرعيين. بدأت الرحلة في التاسعة من صباح الأربعاء بصعود الطائرتين الخاصتين المتجهتين إلى مطار سيئون، إحداهما من مطار الملك خالد في الرياض، والأخرى من مطار الملك عبدالعزيز في جدة، تحمل المشاركين ال100، وكأنهما تتسابقان أيهما تصل قبل الأخرى، حتى أنهما تزامنا في الهبوط، فالتقى الوفدان في صالة كبار المسافرين في مطار سيئون، وفي انتظارهما ثلاثة حافلات اتجهت كل واحدة منها إلى الفندق المخصص لكل مجموعة. وقد سعدت في تلك الرحالة المتجهة من جدة إلى سيئون بمرافقة كل من: الدكتور عبدالله المصلح، الدكتور حمزة الفعر الشريف، الدكتور محمد علي البار، الدكتور عبدالله بصفر، الشيخ عمر حامد الجيلاني، الدكتور محمد السعيدي، الدكتور سعد الشهراني، الدكتور أحمد العطاس، الدكتور حمدان الغامدي، الدكتور خالد باطرفي، المهندس محمد يوسف العيدروس، وسالم بن محفوظ (الذي بذل جهدا كبيرا في التنسيق للرحلة)، والزملاء: طلال عبدالرحمن، فواز السلمي، سامي اليامي، سعيد العدواني، سعد عسيري، ومحمد راجح الأهدل، والمرافقون للرحلة الخاصة الذين بذلوا جهدا مشكورا في الترتيب للرحلة، منهم: عبدالله وسعد باكرموم، والطبيب نظام الدين. عقب وصول الوفد إلى مقار سكنهم في الفنادق الثلاثة (الحوطة، سيئون بلازا، والأحقاف) قبيل أذان الظهر بقليل، أخذ المشاركون قسطا لا يذكر من الراحة ومن ثم تناول الغداء في الثانية ظهرا، والاتجاه بعدها في الثالثة عصرا إلى مجمع الاحتفالات في سيئون لحضور الحفل الافتتاحي للندوة برعاية الرئيس علي عبدالله صالح، والجلسة العلمية الوحيدة في ذلك اليوم الأول. لكن الإعلاميين المرافقين لتغطية المناسبة لم يرق لهم البقاء في فندق الأحقاف، ليس لتواضعه أو قلة خدماته، بل لأنه يبعد مسافة ليست بالقصيرة عن فندق الحوطة المخصص للباحثين، وسبب اعتراضهم أنهم يرغبون أن يكونوا بالقرب من المشاركين الذين هم المادة (الدسمة) لأي صحافي في مثل هذه اللقاءات للحصول على أكبر نصيب من الحوارات والتصريحات الصحافية، ومع ذلك قبلوا على مضض الاعتذار المؤدب من الدكتور عمر بامحسون رئيس ملتقى تريم الثقافي (الضلع الثالث في تنظيم الندوة مع رابطة العالم الإسلامي ووزارة الأوقاف اليمينة)، لأن فندق الحوطة لا يستوعب عددا كبيرا من القاطنين. اليوم الأول تحدث في حفل افتتاح الندوة: الرئيس اليمني علي عبدالله صالح (ألقى كلمته رئيس مجلس القضاء الأعلى في اليمن القاضي عصام السماوي)، والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور عبدالله التركي، ووزير الأوقاف والإرشاد اليمني القاضي حمود الهتار، والسيد أبو بكر العدني المشهور (ألقى كلمة العلماء المشاركين)، والخبير في المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة «إيسيسكو» الدكتور عبدالعزيز حميد الجبوري (ألقى كلمة المنظمة)، والرئيس الفخري لملتقى تريم الثقافي المهندس عبدالله بقشان، محمد الديني (ألقى كلمة محافظة حضرموت)، وأجمعت تلك الكلمات على الاهتمام بتأهيل طلبة العلم المتميزين ليكونوا علماء ربانيين في المستقبل، ينشرون القيم الإسلامية والوسطية بين مجتمعاتهم، وتفقيه أبناء الأمة في دينها، وتحضين أبنائها من الجهل والضلال. اكتفى القائمون على الندوة في اليوم بجلسة واحدة عقب حفل الافتتاح، ومع أن الإرهاق الذي كان واضحا على القادمين من المملكة بسبب تواجدهم في مطاري الملك عبدالعزيز في جدة والملك خالد في الرياض في ساعة مبكرة من صباح نفس اليوم ومواصلة ذلك حتى انتهاء جلسة اليوم الأول، إلا أنهم كانوا حريصين على حضور أولى الجلسات، التي أمتعنا فيها رئيسها الدكتور أحمد عمر الزيلعي (عضو مجلس الشورى، وأستاذ التاريخ في جامعة الملك سعود)، سواء ب (بقفشاته) التي صحصحت المتعبين من غفواتهم، أو بحرصه ودقته على وقت الجلسة، فلم يسمح لأي تجاوز للمدة المحددة لعرض بحثه وهي 13 دقيقة، رغم مطالبة البعض بزيادة الوقت، ولم يعط الفرصة لمن تجاوز الوقت من المداخلين، وختم الجلسة بأمنيته أن يكون حضور جلسات اليوم التالي مثلما كان عليه في أول أيام الجلسة. واستمع المشاركون في الجلسة الوحيدة إلى أربعة باحثين، فمن اليمن: عميد دار المصطفى للدراسات الإسلامية في تريم الشيخ عمر بن حفيظ، ورئيس جامعة الأحقاف اليمنية الدكتور عبدالله باهارون، ومن المملكة: أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة الملك عبدالعزيز الدكتور محمد موسى الشريف، والأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور أحمد الدرويش، وقررها الدكتور سعد الشهراني، وجاءت نتائج الجلسة لتؤكد على عدة اهتمامات، أبرزها: أن العلم الظاهر لا يعني الربانية بالضرورة، وأهمية العناية بالبنية الخلقية والروحية لطلبة العلم، وبالحوار مع اتباع الأديان الأخرى، ومطالبة العلماء بهدم جدار العزلة بينهم وبين المجتمع. والأمر الممتع أن الدور والأربطة العلمية الشرعية في سيئون وتريم، مثل دار المصطفى للدراسات الإسلامية ورباط تريم العلمي، حرصت على مشاركة طلابها في جلسات المؤتمر، ففي اليومين المخصصين للجلسات العلمية كان الحضور مكثفا من طلاب العلم الشرعي، فزاد ذلك القاعة بهاء وتوهجا. كما أن القنوات الفضائية والصحف ووكالات الأبناء السعودية واليمنية كانت حاضرة في الندوة، مثل: القناة الأولى في تلفزيون المملكة، قناة المجد، الفضائية اليمنية، راديو سيئون، قناة الإيمان (اللتان نقلتا وقائع الندوة منذ بدايتها على الهواء مباشرة)، وكالة الأنباء السعودية، وكالة سبأ للأبناء اليمنية، صحيفتا عكاظ والمدينة، صحيفة إيلاف اليمنية الورقية، وعدد من المواقع الإخبارية والاجتماعية الإلكترونية. اليوم الثاني كان اليوم الثاني من الرحلة (الخميس) مكثفا، حيث بدأ الكر فيها من التاسعة صباحا وحتى قبيل منتصف الليل، فشهد ذلك اليوم المتواصل ثلاثة أحداث رئيسة، هي: الجلسات العلمية الخمس للندوة، تكريم حفظة القرآن في وادي حضرموت، واللقاء التكريمي للمشاركين في دار المصطفى للدراسات الإسلامية في تريم. والسبب في كثافة البرنامج في ذلك اليوم، أن فيه خمس جلسات من الجلسات الست للندوة، حيث عقدت الأولى في اليوم الأول للمؤتمر، ولم يبق لليوم الثالث إلا الجلسة الختامية فقط والمؤتمر الصحافي. تلك الكثافة في برنامج اليوم الثاني اضطرت البعض أن يسرق جزءا من وقت الندوة للذهاب إلى بعض الأماكن التي كان يخطط لزيارتها قبل مجيئه، أو للتجول في المكتبات والأسواق لشراء بعض الكتب واللوازم التي يرغب في اقتنائها. تحدث في جلسات اليوم الثاني 18 باحثا من المملكة واليمن، واستغرقت ثماني ساعات عمل، دون إضافة فترات الراحة بين الجلسات، وهو أمر مرهق بالنسبة للمشاركين فكريا وجسديا. وكان رؤساء الجلسات في ذلك اليوم على التوالي: الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور عبدالله التركي، كبير المفتين في دبي الدكتور أحمد الحداد، وزير الأوقاف والإرشاد اليمني القاضي حمود الهتار، الأستاذ في كلية الشريعة في جامعة عدن الدكتور حسن القرداوي، رئيس جامعة الأحقاف الدكتور عبدالله باهارون. وتحدث فيها من المملكة: الدكتور محمد السعيدي، الدكتور حمزة الفعر الشريف، الدكتور عبدالرحمن الزنيدي، الدكتور يحيى اليحيى، الدكتور عبدالله بصفر، الدكتور عبدالله المصلح، الدكتور محمد علي البار، ومن اليمن: الشيخ أحمد المعلم، الشيخ سالم باقطيان، الدكتور مهدي الحرازي، الشيخ صالح باجرش، الدكتور مصطفى بن سميط، الدكتور أحمد قطران، الدكتور حسن مقبولي الأهدل، الدكتور عبدالوهاب الديلمي، الشيخ سالم الشاطري. استوحت الندوة أغلب توصياتها بما تحدث به المشاركون في يوم الجلسات المكثقة، ويمكن أن نعتبره هو اليوم الحقيقي للندوة، فخرجت التوصيات بما قيل من آراء وأفكار في ذلك اليوم المكثف بالجلسات، حيث أكدوا على أهمية التعريف بمكانة العلم والعلماء في حياة المسلمين، واستلهام تجاربهم عبر التاريخ في قيادة الأمة ونهضتها وقدرتها على مواجهة التحديات، والدعوة لتأهيل الطلاب الموهوبين والمتفوقين لحمل أمانة العلم والدعوة، وإيجاد هيئة عليا للتنسيق بين اتحادات وملتقيات وروابط العلماء، وتكوين لجان عليا مؤهلة لتأصيل العلم الشرعي وعلاج قضايا المسلمين والأقليات المسلمة، ووضع ميثاق شرف بين العلماء، وترشيد الخطاب الديني ليتوافق مع المنهج الصحيح ويتناسب مع العصر، والتصدي لحملات التشويه، والرد على شبهات وفتن الأعداء وأصحاب العقائد المنحرفة، والتنسيق بين دور الإفتاء والمجامع الفقهية، والتصدي للنوازل، والتأكيد على الفتاوى الجماعية. البرنامج المسائي جاء المساء لينتقل المشاركون من سيئون إلى تريم، لشهود برنامجين هناك، الأول: بعد المغرب في جامع الزهرة، حيث أقيم حفل لتكريم 98 حافظا وحافظة لكتاب الله الكريم، منهم عشرة بالسند المتصل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، نظمته الجمعية الخيرية لتعليم القرآن الكريم في وادي حضرموت، بالتنسيق مع الهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم، حضره الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور عبدالله التركي، ووزير الأوقاف والإرشاد اليمني القاضي حمود الهتار، والأمين العام للهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة الدكتور عبدالله المصلح، والأمين العام للهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم الدكتور عبدالله بصفر، والأستاذ في كلية الشريعة في جامعة أم القرى الدكتور حمزة الفعر الشريف. وأكد الدكتور عبدالله التركي في كلمته على أهمية التكامل بين الجهات الحكومية والخاصة لتحفيظ كتاب الله، مشيرا إلى الرعاية التي توليها المملكة لتعليم أبناء المسلمين القرآن، وفي الوقت الذي يوضح فيه أهمية الحفظ، إلا أنه يؤكد على ضرورة تربية الناشئة على خلق القرآن، مشيرا إلى أن رابطة العالم الإسلامي اهتمت بالقرآن، فأنشأت الهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم لتقوم بالتنسيق بين الجهات العالمية العاملة في هذا المجال. أما البرنامج الثاني، فكان بعد صلاة العشاء في دار المصطفى للدراسات الإسلامية، حيث احتفى القائمون عليها بالمشاركين في الندوة، وأقاموا مأدبة عشاء حفلت بأشهر المأكولات الحضرمية التي استحسنها المدعوون، فأكثروا من تناولها، في وجود بعض الأناشيد والابتهالات الدينية، التي أنشدها بعض طلاب الدار، واختتم «الخميس المكثف» بالعودة إلى الفندق والخلود إلى الراحة لاستقبال اليوم الأخير من الرحلة. اليوم الثالث كان اليوم الثالث والأخير (الجمعة) يوما خفيفا للغاية بعكس اليوم الذي قبله، حيث شهد برنامجين: الجلسة الختامية للندوة، والمؤتمر الصحافي، ولم يستغرق ذلك إلا ساعة ونصف فقط، ومع ذلك قطع العائدون في رحلة جدة الجلسة الختامية، مغادرين القاعة في العاشرة والنصف، متجهين إلى مطار سيئون للعودة إلى جدة، وفي ال12 (عقب صلاة الظهر والعصر جمعا وقصرا في صالة المطار) أقلعت الطائرة عائدة إلى جدة، فوصلت عند الثانية ظهرا، أما العائدون على رحلة الرياض، فغادروا اليمن في الرابعة عصرا، وبهذا تختتم الرحلة السريعة إلى عاصمة الثقافة الإسلامية تريم، وعاصمة وادي حضرموت سيئون، بعد المشاركة في الندوة الناجحة «الربانيون.. وراثة النبوة وعظم المسؤولية».