كان الكشك مكانا لتخزين مواد النظافة لمدة 15 عاما. وفكر العم عبده أثناء عمله في النظافة أن يستفيد من المكان، بعمل سندوتشات ومشروبات للموظفين في نفس الجهة. مر على هذا الحال 10 سنوات وأضيف إلى الكشك مكينة تصوير للمراجعين من خارج الجهة. تنبه موظفو الطبقة الوسطى لهذا الكشك ورأوا حجم مبيعات الكشك من داخل الجهة وخارجها. فاقترحوا على الإدارة العليا في نفس الجهة، الاستفادة من هذا الكشك وتخصصيه ليدر دخلا على الجهة. كان اقتراحهم بداعي البروز في الجهة والوصول لمراتب أعلى. استحسنت الإدارة الفكرة وأيدتها وخاطبت الوزارة المعنية للموافقة عليها خصوصا وأنها ستدر أموالا على الجهة. صدرت الموافقة على الفكرة لأنها سوف تتخلص ولو بجزء يسير من مطالبة الميزانية لهذه الجهة. وطرح الكشك كمنافسة عامة، لتحصل إحدى المؤسسات الوطنية على حق ممارسة نشاط الكشك. ثم قامت هذه المؤسسة بوضع لوحة كهربائية مضيئة فوق الكشك وغيرت ألوانه، وأضافت كراسي انتظار وطاولات خدمة أمام الكشك. وظل العم عبده يعد السندوتشات وأضيف معه عاملان جديدان وألبس الجميع لباس موحد به شعار المؤسسة. أصدرت المؤسسة تسعيرة جديدة للطلبات بعشرة أضعاف سعرها السابق ورسوما للجلوس أمام الكشك ورسوما لتوصيل الطلبات للمكاتب. واستمر العمل على هذا الحال. بعد سنوات وجد الموظفون أن السندوتشات لم تتغير وأنهم أصبحوا يدفعون مبالغ إضافية لنفس المأكولات وتصلهم بمقابل ويدفعون لأكلها بجوار الكشك. أما الجهة فوجدت أن مردودها من المؤسسة كان زهيدا لا يفي حتى بأوراق التصريح لها، فضلا عن أن المبالغ المستحصلة تذهب للوزارة المعنية وليس للجهة. والوزارة المعنية لم يكن الدخل ليغطي ولو جزءا من مطالبة هذه الجهة. والعم عبده تم الاستغناء عنه، وعاد مراسلا، والمراجعون استاءوا لزيادة الأسعار رغم أن جهاز التصوير لم يستبدل، وتوجهوا للأكشاك الخارجية. الهدف من الخصخصة هو رفع وتغيير مستوى الخدمات تغييرا جذريا. إلا أن الواقع، يشير إلى أن التغييرات شكلية فقط والمستفيد الأوحد هو مؤسسات القطاع الخاص. ودعوني أضرب لكم أمثلة من حياتنا لتتضح الصورة دون التعليق: مطار الملك عبدالعزيز في جدة، خصخصة الحدائق العامة في جدة، مكاتب السفر والسياحة المعتمدة في المطارات، خصخصة بعض الخدمات الصحية، وغيرها. جميعها تشترك في عامل واحد وهو إظهار نفس الخدمات بمظهر آخر مع وضع رسوم لها دون تغيير في محتواها. وأغفلت الهدف الأساسي وهو تحسين وتغيير ورفع مستوى الخدمة. م.محمد الشريف