المملكة العربية السعودية، دولة تطبق الشرع الإسلامي بالقصاص ب«حد السيف» في قضايا القتل بشتى أنواعه، وملك هذه الدولة يجاهد سرا وعلنا لإنقاذ رقبة القاتل! أليست تلك صورة تبدو متناقضة، لكل أولئك الذين رصدوا ويرصدون هذا البلد المترامي الأطراف في المساحة والمتعدد شرائح في أطياف البشر! مهلا، ليس الأمر كذلك، حتى لدعاة حقوق الإنسان الأجانب لجهة انتقادهم «غلاظة وقسوة» العقوبة، فالإسلام دين الثواب، العقاب، الرحمة، والتسامح، فكما «ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب» كان «ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا»، وملك هذه الدولة الإسلامية الكبرى يطبق تعاليم وسماحة دينه. حسنا، ربما لا يعرف الكثيرون، ومنهم السعوديون أنفسهم، أن قرار «ضربة السيف» عدا جرائم الفساد يستغرق التصديق عليه وقتا طويلا، حتى وإن تمسك ذوو الدم برغبتهم في القصاص، على خلفية أن الأمل دائما معقود في النفس البشرية وما يخالجها من صراع بين الإصرار على تطبيق الشريعة وربما رغبة الانتقام وأخيرا التسامح. وسط ذلك كله، ومرة أخرى تخرج «الإرادة السياسية»، ممثلة في خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الملفات «المسكوت عنها» إلى العلن؛ ليواجه بها مواطنيه، ويضعهم على المحك، على اعتبار أن ذوي الدم هم من يقررون مصير عتق رقبة القاتل عن طيب خاطر ونقاء قلوب. وكما كرس الملك في نفوس مواطنيه مبدأ الثقة في قيادتهم، وأنها صمام الأمان لبلادهم حتى في الظروف القاسية، بات أيضا ملهما لهم حيال الأخلاق الإسلامية الحميدة كالتسامح والعفو والرحمة، مؤكدا لهم أن عتق الرقاب «واجب ديني وسنة حميدة وعمل أخلاقي وإنساني وبطولي». أصبح مشهدا مألوفا أن يستقبل الملك بشكل دوري أسرتي وذوي «القاتل والقتيل»، في صورة تمثل مشهدا جميلا في تلاحم الأب القائد مع أبنائه، متوجا بذلك الفائزين في سباق للخير يتابعه شخصيا.. إنه «فك رقبة».