كان من دعاة الوطنية في مصر من هم شديدو العداء للرابطة الدينية التي تذكرهم دائمًا بالاستبداد التركي فقدموا رابطة الوطن على رباط الدين ودعوا إلى مصر مستقلة سياسيًا وفكريًا عن أي رابطة أخرى بل إن منهم من فضّل الاحتلال البريطاني على الرابطة الإسلامية، وصرح بعداوة الاتجاه الإسلامي بل تجاوز إلى ربط مصر بتاريخها الفرعوني وعزلها عن التاريخ الإسلامي ومنهم من غازل الاتجاه الإسلامي والرابطة الإسلامية وحاول تصوير الأمر على أنه لا تناقض بين الاتجاه الوطني السياسي وبين الجامعة الإسلامية وكانت تمثلهم صحف المقطم ومجلة المقتطف والجريدة، والتجارة، ومن الأحزاب الحزب الوطني ومصر الفتاة وحزب الأمة. وهذا النوع من الوطنية لا يقره الإسلام لعدة اعتبارات . 1- كونها فكرة انفصال سياسي عن وحدة الدولة الإسلامية، والإسلام دين اجتماع وليس دين تفرق، ويَعُد الإسلام الاجتماع مكسبًا ولذلك فهو ينبذ أي فكرة انفصالية، قال تعالى: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ الله جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) آل عمران103، كما جاء الأمر بالالتزام بجماعة المسلمين في أحاديث كثيرة منها قول الرسول صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم ج3/ص1480(من أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ على رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ أو يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ ). 2- كونها دعوة للتكتل على أساس الإقليم يجعلها دعوة تحجيمية إضعافية مآلها إلى ضعف دائم غير متناهٍ، إذ إن كل إقليم لا يُؤمَن أن يطالب أهل كل ناحية منه بالانفصال ولهم الدعوى نفسها التي انفصل بها إقليمهم عن محيطه الكبير، والإسلام دعوة للقوة بكل معاييرها ومن معايير القوة الاجتماع وعدم التفرق . 3- وأيضا هي دعوة تقدم مصلحة الإقليم والترابط فيه على مصلحة الدين ورابطته، ونحن وإن كنا نوقن بأنه لا يمكن أن تتعارض المصلحتان في الحقيقة، إلا أنه يتصور تعارضهما ظاهرًا في أذهان أصحاب هذا الاتجاه، حيث لا يعدون الدين معيارًا لتمييز المصالح والمفاسد، وقد أمرنا الله تعالى بتقديم الدين على الوطن عندما نقع فيهما بين خيارين، قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً) النساء97، كما قدم الله تعالى المحبة في الدين، والتآخي فيه على جميع العلاقات الإنسانية، قال تعالى : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) المجادلة22.