• لا أعرف سببا لقسوة والدي معنا، لا يبادلنا الحب ولا حتى يفرح لفرحنا، ولا يحرص على شراء احتياجاتنا مهما كانت ضرورية، حتى ملابس العيد لا يشتريها لنا ويذلنا كثيرا إذا ما رغب في توفير أي شيء لنا، لسانه سليط، وجبار، ولا يسمح لأحدنا في التحدث معه مهما كان الحديث مهما، وقسوته لا تتوقف عند هذا الحد، فممنوع علينا أن نجلس معه في مكان واحد، لأنه يعتقد أن البنت إذا جلست مع الرجال عيب، كما أن جلوس البنت مع أبيها أو الكلام معه يعتبره إهانة له. حاولنا التقرب منه، لكن كلما حاولنا زاد في قسوته ماذا نفعل؟. نريمان مكةالمكرمة لو كان بالإمكان استبدال أبيك لأشرت عليك بالذهاب إلى المكان المناسب، ولكن هذا والدك وسبب وجودك الشرعي في هذا الكون وفي هذه الحياة، وتغيير أفكاره ومعتقداته ليس بالأمر الهين أو السهل، هو في موقع الأب، وأنت في موقع البنت، هو من بيده أن يأمر وأنت في موقع القبول، أنت لا تملكين إمكانية تغييره، أو تغيير أفكاره أو معتقداته كما قلت لك، ولكن تملكين التعايش مع آرائه وأفكاره، تستطيعين أن تنظري للمسألة من زاوية جديدة وهي أن الدنيا التي تعيشين بها هي دار ابتلاء وامتحان، فإما أن نقبل كل الامتحانات التي نتعرض لها، أو نرفضها، فإن رفضناها فلن تتركنا، وسنبقى نعيش في مواجهتها، كل الذي سيترتب على رفضنا لهذه الامتحانات والابتلاءات المزيد من الضيق، والمزيد من النكد، والمزيد من القلق والتوتر، أما إن قبلناها وتعايشنا معها فيمكننا أن نسير في بداية طريق الخلاص من هذا التوتر والقلق والنكد والضيق، تخيلي معي أنك بلا أب، يحميك على الأقل، ويراه الناس باعتباره سندا لك ومصدر قوة، وما عليك إن أردت رؤية جوانب الخير في وجوده إلا الاجتماع بفتاة يتيمة الأب، عندها سترين أن كل جوانب التشنج التي يتمتع بها والدك والتي هي مصدر ضيقك، ستكون أقل سوء من غياب السند ومصدر الحماية في زمن فيه ذئاب ينهشون لحم الضعاف من الفتيات في بعض الأحيان، أما كونه يرى في جلوس الفتاة مع أبيها أمر مشين فمسألة ستنتهي بمجرد زواجك، وذهابك لبيت زوجك، فاطلبي ممن خلقت وابتلاك بمثل هذا الأب المتشنج أن يرزقك بزوج مرن، ومحب وحنون، أما الحل العاجل الذي أنصحك به، فيكمن في التوقف فورا عن التذمر، واللجوء إلى تبديل سلوكك معه تماما، تحولي إلى الفتاة التي تهتم بشؤون أبيها، ابحثي عن كل ما يرضيه، في طعامه وشرابه ولباسه ونومه، وجندي نفسك لخدمته والسهر على راحته، افعلي هذا لاثنى عشر أسبوعا، وافعلي كل ما يرضيه بحب وبصدق، ثم اكتبي لي عن هذه التجربة وأنا واثق أن معاملته لك ستتغير جذريا، ولكن بشرط واحد لا تتراجعي خلال هذه المدة، ولا تسمحي لليأس أن يتسرب إلى نفسك، وتأكدي أن النفس البشرية مفتاحها الحقيقي هو الإحسان والحب، افعلي ذلك وفي كل الحالات أنت مثابة ومأجورة، فأقل المكاسب ستكون برا بوالدك ليس له أجر إلا الجنة.