يبدو أن بعضا ممن يشعرون بتهديد الصحافة لمكانتهم وتزايد قدرتها على كشف قصورهم قد بدأوا في مشروع التشكيك في مصداقية النقد الصحافي بعد أن كانوا يشككون في الخبر الصحافيa بتكرار القول عن الأخبار الصحافية بأنها كلام جرايد. إذا كانت آفة الأخبار رواتها وعدم التثبت من مصدر الخبر قد يؤدي لشيء من المبالغة أو الخطأ فإن الناقد الصحافي لا يمكن أن يستأنس ناراً دون أن يشم الدخان ولا دخان بلا نار، كما أن الناقد يتحرى الدقة حفاظاً على مصداقية قلمه وهو أحرص في هذا الصدد من المخبر الصحافي، كما أن الناقد يورد حججاً واضحة ودلائل من الواقع ويركز على صورة من صور القصور المرئية للجميع فيوضح غموضها ويشرح أبعادها أو يتناول شكوى من خلل فيتأكد منها وينقلها موضحاً خطورة نتائجها وتأثيرها في الأفراد والمجتمع حسب ما يراه كمحايد لا مصلحة له في المبالغة مثلما أنه لا يعنيه تأثير ما يكتب على المسؤول وكشف قصوره في أداء عمله طالما أن النقد موجه للعمل وليس شخص العامل. لا يمكن لكاتب صحافي أن يكتب عن تعثر مشروع أو سوء تنفيذه لو كان هذا المشروع نفذ بالطريقة الصحيحة ودشن في الوقت المناسب، ولا يعقل أن يكتب ناقد عن تكرار انقطاع التيار الكهربائي وأبعاده وخطورته على مصالح الناس وحياة المرضى وتعطل الخدمات ويصور تلك الصور المأساوية للشرائح المتضررة بينما الواقع أنهم جميعاً ينعمون بنعمة الكهرباء، ولا أن يتحدث عن تعيين آلاف المعلمات في مناطق نائية ويرصد إحصائيات من توفي منهن بينما المعلمات يتجولن في سوق الفيصلية أو المملكة، ولا أن يكتب عن عدم توفر أسرة لمئات المرضى والمصابين بينما الواحد منهم يحظى بالرعاية الصحية التي ضمنها له الوطن، ولا أن يتناول ناقد خطورة بطالة آلاف الشباب وهو يعلم أن العروض المتعددة تنهال على كل واحد منهم. نفس الشيء ينطبق على النقد المكثف على هيئة الاستثمار هذه الأيام فهو ما كان ليحدث لولا حدوث أخطاء فادحة وتكشف صور خطيرة ونتائج أخطر توحي بتهديد مستقبلي لا تحمد عقباه إذا استمرت الأخطاء الواضحة من نتائجها وليس من مجرد تخمين الكاتب أو الناقد والمحلل فكثافة النقد من فداحة الخطأ. التشكيك في مصداقية النقد امتداد للتشكيك في مصداقية الخبر، وإذا كان بعض المخبرين أو المراسلين الصحافيين أسهم في ترسيخ مفهوم (كلام جرايد) فإنه ما من سبيل للتشكيك في النقد لحقائق يجسدها الواقع وتثبتها النتائج وتتواجد دلائلها وقرائنها على مسرح الأحداث، حتى لو انبرى بعض الكتاب للدفاع عنها، فالدفاع هنا هو الجدير بالتشكيك في المصداقية وليس الادعاء، وهذه ليست مصادرة للرأي الآخر لأنه لم يكن رأياً مسنوداً بغير العاطفة واللف والدوران الذي لم يدخل في صلب الموضوع ويقارع الحجة بالحجة. هذا الدفاع قد يريح من يشعرون بتهديد الصحافة لأنه يدخل ضمن ما أسميته سابقاً بضرب الإعلام بنيران صديقة، لكن المؤكد أنه لن ينجح في التشكيك بمصداقية النقد الصحافي ولن تصيبه هذه النيران ولا بجراح طفيفة. www.alehaidib.com للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 262 مسافة ثم الرسالة