حينما تحل المناسبات وتسري الأيام، فإنه في كل مناسبة تعود بنا الذاكرة لأناس طالما صحبناهم وأنسنا في مجالستهم، لكن قدر الله حال بيننا وبينهم، غادروا الدنيا إلى أول منازل الآخرة. وفي شهر رمضان عندما نذهب للتسوق أو نجتمع على مائدة الإفطار نتذكر أشخاصا كانوا يبادلوننا الحديث قبيل الإفطار وعلى مائدة الإفطار، لكن تبقى الذكرى خالدة في قلوب محبيهم. ونستعرض في هذا اليوم شخصية مرموقة رحلت قبل ستة أشهر؛ إنه سفير خادم الحرمين الشريفين في جمهورية مالي فواز بن مشل التمياط الذي غيبه الموت إثر نوبة قلبية بعد عودته من الإشراف على افتتاح جسر في جمهورية مالي تم إنشاؤه على حساب المملكة وبحضور رئيس الدولة في 24/2/1431ه في مقر سكنه، وتم نقل جثمانه إلى مسقط رأسه مدينة طلعة التمياط في منطقة الحدود الشمالية وتم دفنه هناك وسط حضور وفد رسمي من وزارة الخارجية. كل من عرف الفقيد وطلبنا منه الحديث عن شخصه سكت برهة لتعود به الذاكرة ممزوجة بالحزن. إذ يقول عن السفير فواز شقيقه فيصل بن مشل التمياط «مع قرب رمضان دارت الذاكرة فتذكرت الاتصال الذي كنت أجريه مع شقيقي فواز مع حلول رمضان، وهو يقول لي في كل مرة سوف أفطر عندكم آخر الشهر، لكن هذه السنة فقدت ذلك الصوت، صحيح أن أبا سطام رحل لكن بقيت الذكرى الخالدة». من جانبه، يروي المستشار في وزارة الثقافة والإعلام والباحث في الشؤون التركية عبد الله الشمري تفاصيل شخصية فواز بن مشل التمياط «لقد زاملت الأخ العزيز فواز أربع سنوات أثناء عمله في أنقرة، وكان مثالا للصدق والنزاهة والتسامح والكرم، ترياقا لكل نازلة، ومؤنسا في الغربة، وناصحا أمينا عند الحاجة. كان يجمع ولا يفرق وكان يعطى ولا يأخذ. لا تكاد تفارقه الابتسامة حتى في أحلك الظروف. رحل الأخ والزميل والسفير الذي وافته المنية على بعد خطوات من مكتبه وهو يستعد لعمل يوم جديد في مكتبه وكله همة وعزيمة لخدمه بلده وتطوير العلاقات الثنائية وخدمة الشعب المالي الحبيب إلى قلبه. الشعب والقيادة في (باماكو) بادلوا السفير التمياط الحب بالحب والوفاء بالوفاء، فرغم وصول الطائرة التى أمرت بها القيادة الكريمة لنقل جثمانه إلى مسقط رأسه (رفحاء) إلا أن رئيس جمهورية مالي السيد أمادو توماني توري وفي لفتة مؤثرة، أصر يوم الأربعاء الماضي إلا أن يقيم مراسم عزاء للسفير الفقيد بحضور دولة رئيس الوزراء والوزراء وأعضاء السلك الدبلوماسي، حيث أعلن الرئيس المالي منح وسام ضابط النظام الوطني للسفير الفقيد وسلمه للقائم بالأعمال السعودي بالإنابة ضاربا بذلك مثلا يحتذى به في تكريم من يستحق التكريم حيا وميتا». وقال نائب وكيل وزارة الخارجية لشؤون المراسم دهام عواد الدهام إن الكلمات تقف عاجزة عن تأبين الفقيد الغالي في هذا الموقف العصيب، وهو رجل عرفناه مثالا للإخلاص، إلا أن ما يخفف مصابنا أنه كلل هذه السيرة الحميدة بأخلاقه العالية التي عرفت عنه، كما أنه ترحل في أكثر من موقع وكثير من المناطق خدمة لوطنه، إلا أن قضاء الله وقدره اختاره إلى جواره بعد أن عاد إلى وطنه محمولا على الأكتاف بعد إنجازات حافلة في مسيرته العملية وتمثيله لبلاده، كان مشرفا على جميع المستويات ومع الجهات الدبلوماسية كافة التي تعاملت معه وأثنت على أخلاقه ووفائه. من جهته، ذكر المستشار لحقوق الإنسان الدكتور ممدوح الشمري أن فواز بن مشل التمياط -يرحمه الله- كان يتمتع بحس إنساني وبمكارم أخلاق فاضلة. وهي خصال ليست غريبة عليه؛ كونه سليل أسرة كريمة تتميز بتاريخ مشرف ومجيد، فقد ورث النبل عن والده صاحب الشخصية المشهورة في تاريخ المنطقة الشمالية. وزاد مستشار حقوق الإنسان «كثيرة هي مناقب أبي سطام الإنسانية بحيث لا تستطيع السطور تعدادها، ومؤرقة هي الآلام على فراقه وكبيرة هي المعاناة بفقده، نعم رحل فواز بعد ربع قرن من الترحال ممثلا للوطن في مهمات دبلوماسية عديدة في كل من الولاياتالمتحدة، تركيا، مصر وأخيرا في مالي.. حيث عاش حتى آخر ساعاته حاملا حقيبته الدبلوماسية في عمل وطني وإنساني متواصل». وكان وزير الخارجية المالي مختار ون قال حين قدم رسميا لتقديم العزاء، وذلك في منزل الفقيد في الرياض «إننا فقدنا علما وشخصا عزيزا على جميع الشعب المالي وأتمنى من كل قلبي أن يزورنا أحد ويقف على الإنجازات التي حصلت خلال فترة عمله كسفير للسعودية في مالي، لن يعرف أحد من هو فواز حتى يزور مالي ليشاهد ويقف على الشعور الذي أنتاب شعب مالي من فقده». من جهته، وصف رجل الأعمال المهندس حسن شرارة؛ وهو مستثمر في مالي؛ أن فواز «كان جاري في المسكن وقد كان على الدوام نعم الرجل وهو يتميز بالجدية من ناحية وبالطيب والبشاشة من ناحية أخرى يحبه الجميع من رئيس الجمهورية والوزراء والشعب والكل تأثر بوفاته». الرئيس وجنازة التمياط كانت جنازة السفير فواز بن مشل التمياط هي الجنازة الأولى لسفير يشهدها رئيس جمهورية مالي، إذ لم يسبق للرئيس أن شارك في نقل أو تأبين جنازة، والسبب الرئيس هي المكانة الكبيرة التي احتلها السفير التمياط في نفوس الماليين؛ بدءا من الرئيس مرورا بالوزراء والشعب. يقول القائم بأعمال السفارة السعودية بالنيابة في جمهورية مالي عبد الله الحربي «لقد احتشد الشعب المالي من قصر الجمهورية إلى المطار، وذلك لتوديع جثمان الفقيد وكان توديعهم بمثابة توديع رئيس دولة، لقد كان له دور في توطيد العلاقات بين البلدين». ويؤكد خال الفقيد الإعلامي علي القحيص أن رحيل فواز بن مشل التمياط سفير خادم الحرمين الشريفين في جمهورية مالي وهو في بداية مشواره وعنفوان عطائه، يشكل خسارة كبيرة حيث فقد الوطن أحد أبنائه البررة المخلصين. من جهته، أوضح أحمد بن ناصر الجرباء أن المرحوم ابن لعائلة كريمة، عريقة في المملكة، شهيرة بخدمة وطنها. لكنه كان في الوقت نفسه متواضعا صاحب خلق رفيع، وقلب محب للجميع، وكان رجلا كريما نادر المثال لا يعرف الكذب والنفاق، كبيرا في نفسه وفي محبته لمن حوله، وفي تعهده للفقراء، لأنه كان مثالا للإنسانية والوفاء والعطاء، لا يهدأ له بال عندما يعلم بأن هناك حالة تستحق المساعدة، فكان بحق سفير الخير والدبلوماسية معا. ولأنه اشتهر بكونه محبا لوطنه، مطيعا لولاة الأمر، فقد نقش بذلك لنفسه اسما في صفحة البلاد، بكفاحه وعصاميته ورجولته. وعرف بأنه مثال للمواطن المخلص الذي خدم دينه ومليكه ووطنه، بكل ما وهبه الله إياه من عقل راجح ومعرفة. فواز.. الدبلوماسي الرفحاوي فواز بن مشل التمياط من مواليد محافظة رفحاء 1/7/1378ه (11/1/1959م) نشأ وترعرع في رفحاء حتى وصل المرحلة المتوسطة، ثم انتقل إلى الرياض ودرس فيها المرحلة الثانوية وهو حاصل على بكالوريوس علوم سياسية من جامعة الملك سعود في الرياض عام 1401ه الموافق 1981م. حاصل على دبلوم المعهد الدبلوماسي العالي من معهد الدراسات الدبلوماسية في الرياض عام 1407ه الموافق 1987م وكذلك دبلوم في المحاسبة الإدارية والتكاليف من المنظمة العربية للعلوم الإدارية عام 1425ه الموافق 2005م. حصل على وسام الضابط الوطني في جمهورية مالي الذي يعتبر أعلى وسام في الجمهورية ولأول مرة يعطى لسفير سعودي. التحق بوزارة الخارجية عام 1405ه الموافق 1985م، وعمل في الشعبة السياسية في الوزارة لمدة تسع سنوات وفي الشعبة الاقتصادية لمدة أربع سنوات ثم عمل في القنصلية العامة للمملكة في نيويوركبالولاياتالمتحدةالأمريكية لمدة ثلاث سنوات ونصف السنة ثم انتقل إلى الديوان العام في مقر وزارة الخارجية السعودية في الرياض لمدة عامين، ثم تم تعيينه في سفارة المملكة في أنقرة من عام 1417ه إلى عام 1421ه كرئيس للقسم القنصلي وكملحق تجاري في الوقت نفسه. ثم انتقل إلى مصر في عام 2001م وعمل نائبا للقنصل العام في الإسكندرية وأمضى ثلاث سنوات ونصف السنة عاد بعدها إلى الرياض وعمل منذ عام 1426ه مستشارا في وزارة الخارجية، ومن ثم عمل مديرا عاما لإدارة المساعدات الخارجية حتى صدر قرار خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بتعيينه سفيرا للمملكة لدى جمهورية مالي في 1/1/2008م حتى توفي -رحمه الله- عن عمر يناهز ال51.