في المقال السابق تناولنا جذور الواقع الحالي السلبي الذي أنتج الإرهاب وحروبا لا مبرر لها وجعل السيادة لنمط متوحش من الرأسمالية التي تسببت في دورات الانهيار الاقتصادي وأنتج الثقافة العولمية الاجتماعية السلبية التي تسودها المادية الأنانية والشهوانية المبتذلة والتي تسببت في ارتفاع معدلات الجرائم والتفكك الأسري وانحدار خامة الإنسان وسيادة أن يكون القرار السياسي متجردا من المثاليات «ريل بوليتيك السياسة المحضة» واختزلت علاقة الإنسان بالمؤسسات السياسية والاجتماعية والاقتصادية لمجرد علاقة عرض وطلب تجارية بشكل جرد الإنسان من أي غاية أو قيمة أعمق، وكل هذا باسم الحرية، وحسب الفيلسوف السياسي البريطاني «السير.أشعيا برلين» الذي تأثر به أعلام السياسيين المعاصرين هناك نوعان من الحرية، الأول التحرر من الإكراه والاستبداد والقدرة على تحصيل الرغبات الفردية، والثاني وهو المفهوم الذي تولدت عنه الحركات الثورية وحركات الإرهاب الحالي التي لديها تصور مبسط حول مفهوم تحرير الناس من عوامل الفساد في واقعهم يقول: بأن الجمهور ليس لديه الوعي الكافي لإدراك الأصلح لهم لهذا يجب إكراههم عبر قوة الإرهاب والإكراه لكي يتحرروا بالقوة من عوامل الفساد في واقعهم، وأصحاب هذا التوجه لاعتقادهم أنهم توصلوا للجواب النهائي والكلي والحصري الذي لا وجه آخر للحقيقة سواه لا يبالون بقدر القتل والضرر الذي يحدثونه فالأمر يستحق برأيهم لأنه الجواب النهائي المطلق. ومن هنا جاءت دموية الثورات الكبرى من الثورة الفرنسية إلى النازية والفاشية والشيوعية، فكانت ردة الفعل المضادة عليها هي تطور اتجاه فكري يرى أن الوسيلة الوحيدة للوقاية من تولد أمثال تلك الأنظمة العقائدية التي تهدد السلام العالمي هو بتكريس ما أسماه برلين «بالمفهوم السلبي للحرية» والذي يحصر تعريف الحرية بأن يكون للإنسان الحرية في تحقيق رغباته الفردية، لكن أمريكا التي تبنت هذا التوجه زعمت أنها ستسقط الحرية مع القنابل التي قتلت بها الملايين ودعمت الأنظمة الدكتاتورية كنظام سوهارتو الذي قتل مليون اندونيسي، وهذا النهج ولد ما أسمته المخابرات الأمريكية «Blowback ردة الفعل المرتدة» وهي الثورات المضادة للنفوذ الأمريكي، عندها تولد توجه أمريكي جديد «المحافظون الجدد» يقول بأن الوسيلة لتجنب ردات الفعل الشعبية المرتدة ضدها هو بدعمها للديمقراطية لكن أيضا أرادت إسقاطها مع القنابل، وكما قال أحد منظري هذا التيار «صموئيل هنتنجتون» أنه نوع مبسط من الديمقراطية التي تضمن فقط حق التصويت في الانتخابات وليس بقية الاستحقاقات الأساسية كالعدالة الاجتماعية ومكافحة الفساد والسيادة لأنها ستستدعي حسب منظوره عقائد تولد الصراعات. ومن جهة أخرى تطور مفهوم آخر للتحرر يرى أن العمل المسلح بحد ذاته ضرورة أخلاقية للشعوب لمعالجتها من مفاسد النمط السلبي للحرية ومنظر هذا التيار ابتداء من عهد الثورة الجزائرية كان عالم نفس وفيلسوفا فرنسيا «فرانتس فانون» الذي عاش في الجزائر، ووراء أفكار فانون كان الفيلسوف الفرنسي سارتر الذي كان يرى أن الناس يعيشون أسرى للأنماط السطحية السلبية والعمل العنفي يمثل طريقة لإيقاظهم ولزعزعة البرجوازية وهذه الأفكار كانت وراء الحركات الإرهابية الأوروبية في السبعينات والتي اقتبست الحركات الإرهابية الإسلامية أساليبها وثورة جيفارا والثورة الإيرانية، فمنظر الثورة الإيرانية «علي شريعتي» درس في باريس وتأثر بهذه الأفكار وترجم مؤلفات فانون وسارتر. والسلام حسب التطبيق السياسي الأمريكي «لنظرية اللعبة» التي نال صاحبها جائزة نوبل لا يتأتى من الأسباب الموضوعية للمسالمة إنما من جر خصمك لكي يتورط معك في لعبة تلعب فيها أنت وخصمك وفق ذات منظومة الاستراتيجيات والاعتبارات، والانتصار هو بقدرتك على التنبؤ بسلوك خصمك بما أنه يلعب لعبتك. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 217 مسافة ثم الرسالة