انطلقت إحدى طائرات الإيرباص 320 على مدرج مطار «لاجوارديا» في نيويورك إلى أن وصلت سرعتها إلى حوالي مائتين وخمسين كيلو مترا في الساعة...وعندئذ ساعدها الطاقم على الصعود برفع مقدمتها بزاوية مبدئية مقدارها خمس عشرة درجة فصعدت بمشيئة الله إلى الأعلى باتجاه الغرب في عصر الخامس عشر من يناير عام 2009...وبعد تسعين ثانية من الإقلاع اعترض مسار الإيرباص سرب كبير من الأوز الكندي الضخم... اصطدم بعضهم بجسم الطائرة، ودخل البعض الآخر داخل المحركين ففرمتهم ريش المحركين وجسدوا مفهوم «الكفتة» السريعة التحضير...وبعدها خارت قوة الطائرة، فتحولت إلى مركبة شراعية ضخمة تسير بالطاقة التي حصلت عليها قبل الصدمة... تحول ارتفاعها وسرعتها إلى العاملين اللذين أبقياها في الجو بمشيئة الله...وفي الحال قام القبطان «سلنبرجر» ومساعده باتخاذ إجراءات الطوارئ اللازمة...عدلوا السرعة بتخفيض مقدمتها لتسير على سرعة ثلاثمائة كلم في الساعة، وهي أفضل سرعة للطيران الشراعي (الانزلاقي) لتلك الطائرة...وقام الطاقم أيضا بتشغيل مولد الطاقة المساعد Auxiliary Power Unit للإبقاء على الأجهزة الكهربائية في الطائرة...واتصلوا بالبرج للبحث عن أفضل خيارات الهبوط في أقرب فرصة...وأثناء كل ذلك قاموا أيضا بالمحاولات المتتالية اليائسة لإعادة تشغيل المحركين المشبعين «بالكفتة» ...وكانت الطائرة مليئة بالركاب وعددهم 150 بالإضافة إلى الطاقم المكون من خمسة أفراد...واتضح أن الخيار الوحيد كان مخيفا، ألا وهو الهبوط في نهر الهدسون البارد في نيويورك... وتلك مخاطرة كبيرة جدا لأن الطائرة كانت محملة بالوقود المعرض للاشتعال حتى عند الهبوط على سطح الماء...وكانت هناك أيضا خطورة أن تتحطم الطائرة عند ملامسة سطح النهر لأن سرعتها لن تقل عن 250 كيلو مترا في الساعة، وسطح الماء عند تلك السرعة قاس بسبب التوتر السطحي ...وبرودة الجو في شهر يناير خطرة جدا على الركاب الناجين...وعدد القوارب المتاحة للإنقاذ قليلة...كل هذه الأخطار كانت على بال القبطان عندما استطاع أن يهبط بأعجوبة على سطح الماء لينجو بحياة جميع الركاب فدخل تاريخ الطيران المدني، وأصبح من أساطين الطيران المدني...وحصل على التقدير الشعبي الكبير في الولاياتالمتحدة. وعندما انتهيت من قراءة مذكراته شعرت بالإعجاب، ولكنني شعرت أيضا ببعض الحسرة لأن لدينا أبطالا مثله يستحقون التكريم الشعبي المستمر...وإليكم أحد الأمثلة: قامت رحلة السعودية رقم 208 من جدة إلى الكويت عبر الرياض بعد ظهر 17 مارس 1985 بقيادة الكابتن عبد العزيز بن حامد النقادي...وكان على متنها 88 راكبا وستة أفراد من طاقم الطائرة، وكان من بين الركاب إرهابي واحد مليء بالأحقاد كجميع الإرهابيين...هرب قنبلة إلى داخل الطائرة، وهدد بتفجيرها إن لم يتوجه إلى إيران...ثم دخل إلى مقصورة القيادة، وتحدث مع القبطان، واتضح أن لديه الرغبة والنية الشريرة فعلا لتفجير الطائرة...هبط الكابتن في مطار الظهران لتزويد الطائرة البوينج 737 بالوقود... وتحدث الكابتن النقادي مع الأمير محمد بن فهد أمير المنطقة الشرقية سرا، فنسق مع سموه ومع طاقمه لإنزال جميع الركاب من الباب الخلفي للطائرة بهدوء تام لإبعادهم عن الخطر...ونجحت عملية الإخلاء بلطف الله، فترك جميع الركاب الطائرة في سلام تام بمشيئة الله...وللأسف فقد لاحظ الإرهابي أن الركاب قد تركوا الطائرة فجن جنونه وهنا اقتحمت القوات السعودية الخاصة مقصورة الطائرة، ولكن الخاطف كان قد فجر القنبلة التي أصابت الكابتن عبدالعزيز إصابات بالغة الخطورة في رأسه، وعينيه، وقلبه، وساقه... وكان كل من رأى مقصورة القيادة المحطمة بعد التفجير لا يصدق أن ينجو منها أي أحد...الشاهد أن الإصابات بسبب الانفجار تطلبت تدخلات جراحية متعددة ومعقدة لإنقاذ حياة الكابتن عبد العزيز، ولكن الأطباء لم يستطيعوا أن ينقذوا عينيه ففقد إحداهما بالكامل، وفقد معظم بصره في العين الأخرى...وتابع حالته الصحية أولا بأول بحرص واهتمام ولاة الأمر وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين... وحصل الكابتن بعدما تحسنت حالته الصحية على ميدالية الاستحقاق من الدرجة الثانية...وعلى جائزة مرموقة من المنظمة العالمية للسلامة الجوية ...إلا أن الخطوط السعودية كمؤسسة لم تكرمه بالشكل الكافي واللائق، وكان التكريم من قبل جهود فردية لبعض المسؤولين جزاهم الله كل خير... وجدير بالذكر أنه عندما سئل عن إصابته في تلك التجربة البطولية، كان رده بكل بساطة إنه كان مؤتمنا أمام الله على سلامة جميع من كان في الطائرة وهو الميثاق المهني والوطني الذي أخذه على نفسه عندما أصبح طيارا. أمنيات عندما نحتفي بأبطالنا فنحن في الواقع نحتفي بإنجازات مجتمعنا بأكمله...وعندما نتذكرهم نحيي الأمل أن عالمنا بخير... أتمنى أن نتذكرهم في كل مكان وزمان، وأن تتم تسمية أحد شوارع جدة على اسم الكابتن عبد العزيز النقادي، وأن تكون مدننا مليئة بأسماء الأبطال...وأتمنى أيضا أن نستمر في تكريم كل من قدم تضحية للوطن ...أرفع شكري لهم، وخصوصا لجميع من قدم تضحيات غالية للوطن. والله من وراء القصد. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 122 مسافة ثم الرسالة