لم يكن الحوار في فكر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز مجرد عنوان يحضر في لقاءات وندوات، ومحاور وأوراق عمل، ونقاشات ومداولات بين نخب ثقافية، ومشارب متفرقة، بل أراده مشروعا حضاريا وسلوكا إنسانيا ومنهج حياة، يعكس صورة الإسلام النقية، المبنية على روح التسامح، والمحبة والسلام، ينطلق من المملكة مهبط الوحي، ومصدر إشعاع النور الرباني، وينتشر في أصقاع المعمورة عبر حوار الأديان والثقافات. من يقرأ مسيرة الحوار في المملكة قراءة فاحصة يلمس النتائج المذهلة التي تحققت رغم قصر عمر مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، مظلة الحوار الذي أسس لمرحلة جديدة من التسامح والوعي في حياة المجتمع السعودي، ورغم صراعات التيارات والاختلافات والخلافات الثقافية التي تشتد حينا، وتهدأ حينا آخر. تلك المسيرة والمرحلة المفصلية في تاريخ المملكة وثقها مستشار الأمين العام لمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، ورئيس مجلة الحوار سعيد ناصر أبو ملحة في إصداره «الحوار في فكر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود». هذا الكتاب القيم توجه صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام بمقدمة مدادها الذهب، إذ قال الأمير سلطان عن جهود الملك الصالح عبد الله بن عبد العزيز: «إن الجهود الكبيرة التي قام بها سيدي وأخي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في تأسيس قنوات الحوار ونشر ثقافته على مستوى الوطن، وتأصيل وتعزيز الفكر الحواري بين أتباع الديانات والثقافات والحضارات الإنسانية تستحق شهادات من التاريخ الوطني والعالمي. وهذه الجهود هي مبادرة تنبع من فكر وتعبر عن رؤية استراتيجية يمتلكها سيدي الملك عبد الله الذي أعطى لهذا الوطن كل ما يرتقي به إلى مصاف الدول والمجتمعات المتقدمة مع الحفاظ على سمته الإسلامي وشخصيته الحضارية». وأضاف ولي العهد: «الرسالة التي أطلقها الملك عبد الله بن عبد العزيز من بلاد الحرمين الشريفين إلى العالم أجمع ودعا فيها إلى فتح صفحة جديدة من الحوار البناء والاحترام المتبادل بين أتباع الديانات والثقافات الإنسانية، هي رسالة جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها إلى العالم أجمع. وإن التأييد الإسلامي والعالمي الذي لاقته هذه الدعوة لهو خير شاهد على نجاح هذه المبادرة العالمية». أبو ملحة رصد في كتابه الجديد، جهود الملك عبد الله لإطلاق الحوار، والملامح الأولى لتلك الانطلاقة عبر ندوات مهرجان الجنادرية، واللقاءات الحوارية في مكتبة الملك عبد العزيز العامة، وصولا إلى تأسيس مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني حتى وصل إلى الحوار العالمي المتمثل في حوار أتباع الديانات والثقافات والفلسفات. أبو ملحة أحد أعضاء فريق بناء مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، نقل تفاصيل المشهد الحضاري الذي صنعه فكر الملك الصالح عبد الله بن عبد العزيز أربعة فصول استهلها بالفصل الأول عن الحوار وقيم التواصل والتفاعل الإنساني، والمفهوم العام للحوار، ودوره في تعزيز التعاون والتفاهم بين الأمم والشعوب. وعرض في الفصل الثاني ولادة الفكرة التي أطلقها الملك عبد الله على طريق بناء مشروع الحوار الوطني العالمي، عبر ندوات وحوارات ثقافية بين الإسلام والغرب والإسلام والشرق، وحوار الحضارات في مهرجان الجنادرية، ولقاءات النخب الفكرية في مكتبة الملك عبد العزيز العامة، فيما بسط في الفصل الثالث إصرار خادم الحرمين الشريفين على المضي قدما في مشروع الحوار الوطني، وتأسيس مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، ليكون مظلة للحوار الفكري بين مختلف الأطياف الفكرية، وشرائح المجتمع السعودي، بهدف تكريس الحوار ليصبح سمة من سمات المجتمع. وخصص أبو ملحة الفصل الرابع من الكتاب لرصد مرحلة نقل الحوار من المحيط الوطني إلى العالمي عبر مبادرة الملك عبد الله الرامية لتأسيس حوار شامل بين أتباع الأديان والثقافات والفلسفات الوضعية، مستعرضا أبرز مضامين مؤتمر الحوار الإسلامي العالمي الأول في مكةالمكرمة، وحوار الأديان والثقافات في العاصمة الإسبانية مدريد، ومؤتمر حوار الأديان والثقافات في مقر الأممالمتحدة في نيويورك. ووثق الكتاب كلمات خادم الحرمين الشريفين في مؤتمرات الحوار كافة، التي تشدد في مجملها على ضرورة الحوار بين الأمم والشعوب.