أصدر مجلس الأمن الدولي في الأسبوع الماضي قراره الذي يحمل الرقم 1920 لعام 2010م ، ويفرض هذا القرار عقوبات متعددة ضد إيران منها منع بيع الأسلحة العسكرية والعتاد إليها، بما في ذلك الدبابات والعربات القتالية المصفحة والمقاتلات الجوية والمروحيات والسفن والصواريخ، وغيرها من المواد والتقنيات التي يمكن أن تدخل في صناعة تخصيب اليورانيوم، أو صناعة الصواريخ الباليستية. كما يمنح القرار الحق للدول بتفتيش السفن والطائرات الإيرانية حتى لو كانت في أعالي البحار. ويمنع القرار إيران نفسها من بناء منشآت تخصيب جديدة، أو الدخول في شراكة في مناجم لليورانيوم في دول أخرى، ويصف إنشاءها لمنشأة ( قم ) النووية أنه بمثابة انتهاك لالتزاماتها تحت معاهدة الحد من التسلح والانتشار النووي. إضافة لذلك فقد منع القرار إيران من إنشاء فروع جديدة لبنوكها في الخارج، كما جمد بعض موجودات البنوك الإيرانية في الخارج المتصلة ببرنامجها النووي المثير للجدل. القرار الجديد جاء تحت البند السابع من المادة الحادية والأربعين، وهو نفس البند الذي فرضت بموجبه العقوبات ضد العراق بعد غزوه لدولة الكويت. وهذا البند يعني أن تصرفات البلد المستهدف بالقرار، قد جاءت بشكل يهدد الأمن والاستقرار الإقليميين. وقد نظر البعض إلى القرار الجديد بأنه ليس إلا شكلا من أشكال العقوبات «الذكية» ، والتي تستهدف الحرس الثوري والشركات الصناعية والملاحية الإيرانية المتصلة به. ونظر آخرون إلى القرار الجديد وكأنه بمثابة تحذير للقيادة الإيرانية بالعودة مجددا بشكل جاد إلى المفاوضات والشروع بشكل مباشر في تجميد عمليات التخصيب. والحقيقة أن صدور مثل هذا القرار تحت البند السابع من ميثاق الأممالمتحدة يمثل شكلا من أشكال الحرب الاقتصادية، وقد تكون هذه الحرب بديلا عن الحرب الساخنة، بل ربما تكون كذلك إرهاصا ومقدمات مبكرة لها. لذلك فقد كان رد فعل حكومة أحمدي نجاد في غير مكانه، حينما استهزأ بهذا القرار وأشار إلى أن مكانه هو سلة المهملات. غير أن نجاد قد عاد بعد ذلك بثلاثة أيام ليعلن أنه لا زال راغبا في التفاوض مع الدول الغربية حول مشروع مبادلة اليورانيوم غير المخصب باليورانيوم المخصب، والذي تم الاتفاق عليه بشكل مبدئي في الأول من أكتوبر عام 2009 م، إلا أن المفاوض الإيراني نقض هذا الاتفاق ولجأ إلى التسويف بعد عودته إلى طهران. يقال غالبا بأن الإيرانيين مفاوضون ممتازون، خاصة في مجال التجارة، وهذا أمر صحيح. غير أن التوقيت في المفاوضات أمر له قيمته. فالصفقة التي عقدها نجاد مع كل من رئيس الوزراء التركي ورئيس الجمهورية البرازيلي أوائل الشهر المنصرم، جاءت متأخرة بيوم واحد بعد توقيع اتفاق سري بين وزراء خارجية الدول المعنية في مجلس الأمن. وبدلا من أن يكون الاتفاق الثلاثي على نقل اليورانيوم يأتي في الساعة الحادية عشرة قبل منتصف الليل، فإنه قد تم في الواحدة صباحا بعد أن جفت الأقلام ورفعت الصحف. وفي فترة من الفترات عام 2006 م 2007 ، كانت دول الاتحاد الأوروبي ومن ورائها الولاياتالمتحدة تعرض على إيران عرضا مغريا، يحوي الكثير من الامتيازات المعلنة وغير المعلنة، بما في ذلك احتمال قبول عضوية إيران في منظمة التجارة العالمية. إلا أن المفاوض الإيراني تشدد كثيرا محاولا أن يحصل على الكعكة والسكين في آن واحد. غير أن الكعكة قد رفعت بعد أن سئمت الدول الغربية من التلكؤ والتسويف الذي أصاب إدارة المفاوضات الإيرانية. والحقيقة أن هناك بندا في القرار الأخير لمجلس الأمن يبقي نافذة من الأمل مفتوحة لمفاوضات مستقبلية مع حكومة طهران، إن هي استجابت للعروض الدولية. غير أن قراءة هذا القرار في ضوء ثلاثة قرارات سابقة، وإعلان من رئيس مجلس الأمن يعود لأربع سنوات خلت، يشير إلى أن الخطوط قد رسمت على الأرض. وأن مواجهة دبلوماسية واقتصادية قد تم البدء بتنفيذها وقد تتحول في أي لحظة إلى مواجهة عسكرية خاصة إذا بدأت الأساطيل الدولية العاملة في الخليج، أو في بحر عمان اعتراض بعض السفن التجارية الإيرانية. عندئذ يمكن أن تتحول مثل هذه العملية إلى عملية عسكرية لنجدة السفن والقوارب الإيرانية العسكرية لسفنها وحدوث مواجهة عسكرية، قد تقود إلى عمليات عسكرية أوسع، وبالتالي قد تتحول إلى حرب إقليمية بطريق الخطأ، أو التهور. قادة الحرس الثوري الميدانيون قد يأخذهم بعض التهور ويستفزون بعض السفن الأجنبية العابرة لمضيق هرمز، مثل ما فعلوا قبل شهر تقريبا حين أوقفوا وفتشوا سفينتين إحداهما فرنسية. ومثل هذه الأعمال الاستفزازية قد تقود بدورها إلى تداعيات وتطورات عسكرية ميدانية، وقد لا يكون بمقدور القادة السياسيين البعيدين عن ساحة المواجهة البحرية أن يتصرفوا بحكمة لإيقاف ديناميتها المتصاعدة. هذه الأمور تعني أن المنطقة متجهة إلى التصعيد والتشدد، ويتزامن ذلك مع تراص جديد للحلفاء والأعداء. فبموجب توقيع الدول الخمس الكبار في مجلس الأمن، بما فيها روسيا والصين على القرار الأخير، فإن خارطة التحالفات الدولية قد اختلفت، وبات هناك تحول من قبل موسكو وبكين تجاه الولاياتالمتحدة، تاركين وراءهم حليفهم القديم في طهران يئن من الفرقة والبعاد. وكان على القيادة الإيرانية أن تقرأ الوضع السياسي على الأرض بشكل جيد، فتحالفها القديم الذي كانت تعول عليه كثيرا مع الهند كان بدوره قد اختفى كذلك قبل ستة عشر شهرا.. صحيح أن إيران قد اكتسبت حلفاء جددا ممثلين في كل من تركيا والبرازيل، ولكن هذه التحالفات الجديدة لا يمكن أن تحل محل تحالفاتها ورهانها على دول الشرق. الآن نحن أمام طريقين، إحداهما أن تلعب إيران اللعبة القومية وتمضي في تشددها إلى آخر الطريق، ويمضي مجلس الأمن في مسيرته بإصدار قرارات جديدة أكثر إيلاما للاقتصاد الإيراني. أما الخيار الآخر فهو أن تلجأ الحكومة الإيرانية الحالية لمنطق العقل، وتجمد برنامجها النووي العسكري، وتبدأ رحلة العودة إلى الحظيرة الدولية. وإذا ما اختارت إيران الخيار الثاني فإن دينامية التصعيد ستتراجع، ولكن إيران لن تتمكن من الحصول على كامل الكعكة التي عرضت قبل ثلاثة أعوام عليها. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 119 مسافة ثم الرسالة