يحيى الغريب شخص غريب على غالبيتكم، أستطيع تخمين ذلك. ليس فقط لأنه شخصية روائية عاشت ولازالت بين دفتي رواية «مدن تأكل العشب» للزميل عبده خال منذ اثني عشر عاما بل ولأن روايات خال كبقية نتاج الأدب السعودي غائبة ليس فقط عن مكتباتنا بل وعن مناهج الأدب في مدارسنا. منذ حصول عبده خال على جائزة البوكر العربية عن روايته الأخيرة «ترمي بشرر» والتكريمات تتوالى عليه كما ينبغي لكاتب مبدع عكف على حرفته زمنا رغم عدم تفرغه للكتابة وتشتت جهده بين عمله الصحافي في «عكاظ» ليلا وتدريسه الصباحي اللغة العربية لطلاب المرحلة الابتدائية على الرغم من أنه بالأساس خريج علوم سياسية. الاحتفاء بعبده عدا عن أنه أقل ما يمكن عمله لكاتب أثبت للعالم أننا لا ننتج فقط نفطا بل نبدع أدبا وفنا يشكل رافدا ثريا من روافد الثقافة العربية بل يشي أيضا برغبة محلية تحاول بشكل أو بآخر أن تشارك جزءا من نجاح خال الفردي على الرغم من تجاهلها له عندما كان بحاجة للدعم. فكما قال أحدهم «للنجاح عدة آباء لكن الفشل يتيم». ولا بأس في ذلك لو تم التكريم بتقدير وترسيخ عمله الروائي ولكن ذلك حتما لا يتم بدرع ذهبي أو فضي مصحوبا بوليمة عامرة وفلاشات خاطفة ولا حتى بتكفل مصاريف سفره إلى معرض كتاب أو ندوة ما ولا حتى بفسح كتب خال التي تطبع خارج الحدود في أيام معرض الكتاب وأخيرا أصبحنا نرى بعضها في مكتباتنا. التكريم الحقيقي الذي يليق بخال وغيره من أدبائنا وأديباتنا هو أن يصبح ركيزة أساسية من ركائز مناهج الأدب العربي في مدارسنا. آن الأوان لاعترافنا الشرعي بالأدب السعودي المهاجر قصرا المحتفى به خارج الحدود. كم طالبا وطالبة يعرفون سيد البيد الشاعر الجميل محمد الثبيتي؟، قصص عبد العزيز المشري ، عوالم رجاء عالم الثرية، عبد الله التعزي وحفائر مكة التي وثق تنفسها، أحمد أبو دهمان وحزام الجنوب، جاهلية ليلى الجهني ونقد الرائع علي الشدوي وغيرهم الكثير الكثير بالطبع. الأدب ليس ترفا ولايصح أن يكون ساحة حرب لتصفية حسابات بين تيارات فكرية مختلفة، إننا من خلاله نقرأ ذاكرة وتاريخ الشعوب وتعلق بأذهاننا شخصيات لا تنسى إن كانت خيالية هنا تمكن روعة الأدب وفردانيته.. لمن لم يقرأ «مدن تأكل العشب» انتقيت شخصية يحيى الغريب بطل الرواية التي خرجت من الورق تتنفس لتسكن ذاكرة قارىء خال كأنها شخصية حقيقية التقاها في مكان بين الواقع والمتخيل لأنها رسمت لي ببراعة غربة أهالي القرى الذين هاجروا للمدينة طلبا للرزق مرحلة الهجرة من الريف إلى المدينة مرحلة مهمة من تاريخنا تجمع لنا بين ثقافة القرية وحكايات الحارات الشعبية في المدن. وثقت الرواية بشكل أو بآخر حياة أولئك المهمشين المهاجرين الذين لم يعيشوا حياة سوية، لم يعيشوا طفولتهم بأمان. فيحيى الغريب الصبي الجنوبي الذي فقد طريقه لأهله في رحلة الحجيج مصاحبا جدته يصل إلى مكة وحيدا ويتيما يكبر معيلا أسرته التي بقيت في القرية يقف شاهدا على حكايات الآخرين حوله مؤرخا للحياة في مناطق جازان ومكةوجدة قبيل حرب اليمن وخلالها. الحديث عن دعم الأدب السعودي لا يكون بفسح كتاب هنا وهناك أو إقامة أيام ثقافية سعودية خارج البلاد بينما العامة في الداخل تجهل معظم هذه الأعمال. الخطوة الرئيسية هي إعطاؤها مكانها الطبيعي الذي تنمو فيه لاتغترب ولا تموت في العتمة. هنا دعوة لوزارة التربية والتعليم لكي لا يظل يحيى الغريب غريبا عن خطط تطوير مناهج الأدب الدراسية القادمة. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 249 مسافة ثم الرسالة