في سنة 2009م وصلت إلى مكتبة الإسكندرية، في مدينة الإسكندرية المصرية ثلاث مرات، في ثلاث مناسبات فكرية تشرفت بالمشاركة فيها، المناسبة الأولى: المشاركة في مؤتمر (اتجاهات التجديد والإصلاح في الفكر الإسلامي الحديث) عقد في شهر يناير، والمناسبة الثانية: المشاركة في مؤتمر (العالم العربي بين الحاضر والمستقبل) عقد في شهر مارس، والمناسبة الثالثة: المشاركة في ندوة (في الفكر النهضوي الإسلامي) عقد في شهر ديسمبر. خلال هذه المشاركات تعرفت عن قرب، وبشكل مباشر على مكتبة الإسكندرية، المعرفة التي ظلت تتسع وتتراكم وتتوثق من مناسبة إلى أخرى، ولا أخفي إنني فوجئت واندهشت بالجانب الكمي والكيفي لنشاطات المكتبة، ووجدت أن هذه النشاطات لا تحسب بالسنوات أو الشهور، وإنما تحسب بالأيام والأسابيع، فلا يكاد يخلو يوم أو أسبوع من نشاط ونشاطات، وبشكل ليس له نظير في المجال العربي، ولا أظن أن هناك مكتبة عربية بهذا المستوى من النشاط المتعدد والمتنوع والمتلاحق. ولا أريد أن أبالغ، ولا أميل إلى المبالغة مطلقا، والإنسان يحد من مبالغته كلما تطور وتقدم فكريا، وعلميا، لكن بإمكاني القول إن جميع نشاطات المكتبات العربية مجموعة إلى بعضها، قد لا تعادل نشاطات مكتبة الإسكندرية لوحدها. ويمكن التوثق من هذا الرأي، حين الاطلاع على التقرير السنوي الذي تصدره المكتبة، وتوثق فيه جميع نشاطاتها موزعة حسب الشهور، وقد اطلعت على التقرير ما قبل الأخير للسنة الممتدة ما بين يوليو 2007م إلى يونيو 2008م وتأكدت عندي هذه القناعة. وإذا كان من المعروف في مكتبات العالم العربي أنها تعقد ما بين ندوة أو ندوتين وتصل إلى ثلاث أو أربع وقد تنقص أو تزيد في السنة، فإن مكتبة الإسكندرية تعقد عشرات الندوات والمؤتمرات الكبيرة والمتخصصة والمتنوعة خلال السنة الواحدة، علما أن هناك مكتبات عربية تمر عليها السنة ولا تعقد ندوة واحدة. واللافت أيضا في نشاطات مكتبة الإسكندرية، هو تنوعها وتعددها، فهي تشمل المجالات والميادين الفكرية والعلمية والأدبية والتاريخية والمعلوماتية، وتمتد إلى ميادين الفنون على تنوع أقسامها. ومن المجالات التي أظهرت فيها مكتبة الإسكندرية تفوقا كبيرا، مجال التصفح الرقمي والمعلوماتي، فقد أنجزت أكبر مكتبة رقمية عربية على الإنترنت، تضم أكثر من 120 ألف كتاب، ويستطيع أي قارئ أن يتصفحها في منزله، وفي أي مكان آخر، إلى جانب ما يزيد على 49 ألف دورية إلكترونية متوفرة من خلال قواعد البيانات ذات النص الكامل. وفي شهر أبريل 2009م، شاركت المكتبة مع منظمة اليونسكو في إطلاق أكبر مكتبة رقمية عالمية تبث بسبع لغات، منها اللغة العربية. وعلى صعيد الكتاب، وفي خطوة لافتة أعلن مدير مكتبة الإسكندرية الدكتور إسماعيل سراج الدين في أكتوبر 2009م، أن فرنسا أهدت المكتبة نصف مليون كتاب باللغة الفرنسية، اعتبرت أنها أكبر صفقة ثقافية في تاريخ العالم، وتغطي هذه الكتب المجالات كافة، وصادرة ما بين عام 1996م و2006م. وبهذا تكون مكتبة الإسكندرية، حسب قول مدير الإعلام فيها الدكتور خالد عزب، متفوقة في الكتاب الفرنسي على باقي مكتبات العالم، ومنها جامعة مونتريال في كندا التي تحوي 534 ألف كتاب، ومكتبة هارفرد التي تحتوي على 509 آلاف كتاب، ومكتبة الكونغرس التي تحتوي على 433 ألف كتاب، والمكتبة الوطنية الفرنسية التي تضم 305 آلاف كتاب.. وهكذا في ميادين أخرى حققت فيها المكتبة تقدما كبيرا، جعل منها مكتبة رائدة ومتفوقة ومنافسة على مستوى العالم، وليس في نطاق العالم العربي فحسب، وهي التي حددت رسالتها في أن تصبح مركزا للتميز في إنتاج المعرفة ونشرها، وملتقى للحوار والتفاهم بين الشعوب، ووضعت لها أربعة محاور أساسية، هي أن تكون نافذة العالم على مصر، ونافذة مصر على العالم، وأداة فعالة في مواجهة تحديات العصر الرقمي، ومركزا للتعلم والحوار والتفاهم. لهذا وغيره فإن مكتبة الإسكندرية هي نموذج إلى المكتبة التي نحتاج إليها وإلى مثلها في العالم العربي، وعلى المكتبات العربية أن تقتفي أثرها، وتتخذ منها نموذجا ومصدر استلهام دائم ومستمر، وتقتبس من الروح المتوثبة التي تسري. ومن سوف يتعرف على هذه المكتبة، سيجد أنها فعلا علامة فارقة في المجال العربي. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 115 مسافة ثم الرسالة