من المسؤول عن الفوضى التي باتت طابعا يميز سوق الأسهم السعودية فأدخلتها موسوعة جينيس للأرقام القياسية ولكن من الأبواب الخلفية، فهي كلها أرقام سلبية إخفاقات وفشل، تراجع وترد، خسائر طالت الجميع، ثقة نزعت وذهبت إلى غير عودة. ومع أن كل الظروف العالمية والأزمات المالية كان بالإمكان أن توظف لتستفيد منها السوق السعودية لكن الأعوام الأربعة التي أعقبت الانهيار الكبير في فبراير (شباط) 2006 أنست المتداولين مرارة فبراير، ففبراير 2006 وانهياره كان أمرا متوقعا تقبله العقول لتجاوز أسعار الأسهم مستويات سعرية لا تتناسب مع واقع الشركات، لكن غير المقبول ما حدث بعد فبراير من انهيارات لم تشهدها ولم تحدث في أية سوق منذ وجدت فكرة هذه الأسواق على مستوى العالم. لقد أصبحت سوق الأسهم حقلا للتجارب وميدانا فسيحا لأفكار البعض، ومضمارا لتطبيقات ليس لها وجود ولا يقبل بها أحد إلا في سوق الأسهم السعودية التي أصبحت طريقة إدارتها علامة فارقة ومميزة بين الأسواق العالمية، فلا هي سوق ناضجة ولا هي سوق ناشئة، ذكرتني بالغراب الذي أراد أن يمشي مشية الحمام فلا هو أحسن تقليدها وأضاع مشيته. سوق الأسهم السعودية تدار بطريقة العصا والكرباج والتحدي وفرد العضلات، فالخوف والقلق والحذر والتردد والشك أمور سيطرت على المتداولين في هذه السوق، وكانت الهيئة تستطيع العمل بمبدأ العصا والجزرة لكنها رفضت التعامل مع الواقع والتسليم بالظروف الصعبة التي تعيشها السوق بعد انهيار فبراير ما يستوجب أسلوبا عقلانيا في العلاج وتجاوز مرحلة الانهيار وتداعياته على المتداولين كما يقوم على مراعاة الظروف والتعامل مع الأزمات بوضعية خاصة. ما هو الشيء الإيجابي الذي يحسب للهيئة؟ هل هو إلزام كل الشركات المساهمة بنشر القوائم المالية لها بنهاية اليوم الحادي والعشرين بعد نهاية كل ربع مالي، وهل هذا يخدم السوق السعودية، وهل هذا يعزز الثقة في السوق وشركاتها؟ وهل التصويت الإلكتروني إنجاز وإعجاز يسجل للهيئة رغم أنه لم يتم ولم يؤخذ به إلا في تصويت جمعية شركة حائل الزراعية للاندماج مع شركة المراعي؟ كانت الصيحات تتعالى من المختصين بالشأن الاقتصادي والاجتماعي وتحذر من عواقب كارثية وتداعيات خطيرة إذا لم تعالج سوق الأسهم بأسلوب يقوم على إدراك خطورة كارثة انهيار فبراير. لقد كافأت السوق شركات لم تكن تحلم بالدخول إليها، لتطرح بعلاوات إصدار مرتفعة مبالغ فيها. وها نحن اليوم نرى الذين اكتتبوا فيها يعضون أصابع الندم بعد تراجع أرباحها وأسعارها، بدعوى التعميق للسوق وفي الحقيقة كان تمزيقا للسوق وتضييعا وهدرا لسيولته. السوق لم تفتح أمام الأجانب بشكل مباشر بدعوى أن الأموال الحارة لها مخاطر في الدخول والخروج وها نحن اليوم نرى الأسواق العالمية المفتوحة أمام الأجانب مباشرة وتتمركز فيها الأموال الحارة لم يحدث فيها عشر معشار ما حدث في سوق أسهمنا الموقرة والمحصنة ضد الأموال الحارة، بل إنني على يقين تام وجازم بأن الأموال الحارة لو كان مأذونا لها بالدخول إلى سوقنا فمنطق وعقل أصحابها يحتم عليهم عدم التفريط في الأسهم السعودية وتحديدا البتروكيماويات والبنوك بهذه الأسعار. لقد حدثت أخطاء في السوق بدءا من تغيير وقت التداول مرورا بالاكتتابات وتعريجا على طريقة حساب المؤشر الجديد وكيف حاله دون تعرية حقيقة القيعان التي وصلت إليها سوقنا واقعا فجاء حساب المؤشر الجديد والاكتتابات ورفع رؤوس أموال الشركات الموجودة في السوق سابقا كعملية تجميلية تحجب كارثة الانهيار وتمنع رؤية الحقيقة كما هي، وكان المضاربون الذين لا يخلو منهم سوق في العالم وتحتاجهم كل سوق وهم روح الأسواق ومبعث الحياة فيها من الضحايا. إن الصمت وتبرير كل ما حدث في سوق الأسهم بأنها الأسواق العالمية ونحن جزء منها ومرتبطون بها وهي السبب في الحالة التي بلغتها سوقنا، إنما هو مغالطة وهروب من الواقع. إن الذين يعودون بالذاكرة إلى الوراء قليلا قبل وجود الهيئة وحينما كانت مسؤولية السوق وإدارتها موزعة بين وزارة التجارة ومؤسسة النقد، لا يجدون وجه مقارنة بين الوضعين ويتمنون لو أن الأمر بقي على حاله الأول. وإذا كنا وجدنا من القيادة الرشيدة ممثلة في خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وعداً بمحاسبة المقصرين عن كارثة سيول جدة، فنحن نلتمس منه أيده الله تدخلا حازما وسريعا يوقف التخبطات والفوضى في السوق.