? «10 مليارات ريال حجم الخسائر السنوية الفكرية» د. ماجد قاروب ? «السوق السعودية تخسر 500 مليون ريال سنويا بسبب قرصنة برامج الكومبيوتر» المحامي محمد الضبعان ? «11 مليار دولار خسائر الغش التجاري في السعودية» إحصائية وزارة الاقتصاد والتخطيط وهيئة الغذاء والدواء ? «300 قضية نظرتها لجنة مخالفات براءات الاختراع في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية» د. خالد العقيلي تلك الأرقام قد يظنها البعض مبالغات أو تقديرات ارتجالية لكنها مثبتة علميا حصلنا عليها من أفواه مسؤولين مختصين في مجال الملكية الفكرية .. وهي تمثل دلالات واضحة على مدى الانتهاكات التي تتعرض لها الملكية الفكرية يوميا في المملكة، فالأرقام المنشورة كبيرة ومفزعة وتمثل حجة قوية ضد كل من يزعم بأننا قد نجحنا في حربنا ضد منتهكي حقوق الملكية الفكرية. الملكية الفكرية بفروعها الثلاثة.. الغش التجاري وتتولاه وزارة التجارة، والملكيات الصناعية التي تشرف عليها مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، وحقوق المؤلف التي تباشرها وزارة الثقافة والإعلام تتعرض لانتهاكات يومية في وضح النهار تختلف نسبتها بحسب جهود الجهة التي تشرف عليها وبحسب وعي المجتمع تجاهها رغم الحرب الشعواء التي تمارسها الجهات المختصة ضد مخترقي أنظمة الملكية الفكرية. وأيا كانت الأسماء والطرق التي تتم تحت ستارها هذه الانتهاكات إلا أنها في الرؤية الشرعية والأخلاقية والعرف الاجتماعي تعتبر جريمة يحاسب عليها الشرع والقانون وهو ما أكده ل (عكاظ) عضو هيئة كبار العلماء المستشار في الديوان الملكي الشيخ عبد الله بن سليمان المنيع عندما اعتبر هذه الانتهاكات تدخلا في باب السرقة، مشددا على أن هذا الفعل يعتبر محرما شرعا وعرفا وغير جائز بأي حال من الأحوال، مؤكدا أنه ظلم لأصحاب الحق والإنتاج خصوصا أن الشرع تكفل بحفظ الحقوق لأصحابها وتوعد المعتدي على حقوق الآخرين بالعقاب في الدينا والآخرة. ولم يكتف أستاذ الدراسات العليا في جامعة الإمام محمد بن سعود الدكتور صالح السدلان بوصف الانتهاكات الفكرية بالجريمة الشرعية بل طالب بمحاكمة مخترقيها وإنزال أقسى العقوبات والتشهير بهم إن دعت الحاجة معللا ذلك بأنهم ارتكبوا ذنبا مضاعفا تمثل في مخالفة أمر الله ومخالفة أنظمة الدولة والإضرار بالمجتمع في وقت واحد. الموقع الدولي هذه الاخترقات تمثل صداعا في رأس المملكة الموقعة على القوانين الدولية للملكية الفكرية والملتزمة بها والتي كافحت طويلا عبر أجهزتها الرقابية بجهود كبيرة توجت بصدور قرار الحكومة الأمريكية بإزالة اسمها من قائمة المراقبة المتعلقة بتصنيف الدول حسب مستوى حماية حقوق الملكية الفكرية لديها في بداية العام الحالي، بعد إحراز المملكة تقدما واضحا تجاه تطوير حماية حقوق الملكية الفكرية، حيث عززت المملكة وعلى مر السنوات الماضية الأنظمة وتنفيذها، كما قدمت العديد من المبادرات في مجال الابتكارات والإبداع وفق ما أعنله وزير التجارة والصناعة عبد الله بن أحمد زينل علي رضا. ونظرا لأهمية المكتسبات التي تحققت للمملكة أصبح لزاما علينا أن نحافظ على هذا المنجز والتقدم خطوات للأمام وهذا لن يكون إلا بمعالجة الأخطاء ورفع وعي المجتمع بأهمية الملكية الفكرية وتعزيز دور الجهات ذات العلاقة مثل العلماء والدعاة وأئمة المساجد ووسائل الإعلام وغيرها في تنمية هذا الوعي، ولاننسى دور المسؤول في تقديم أنموذج إيجابي للمجتمع في هذا المجال رغم أن تصريحات المسؤولين حول خسائر المملكة من جراء انتهاك حقوق الملكية الفكرية متضاربة في ظل عدم وجود دراسة دقيقية تحدد الحجم الحقيقي للخسائر لمعالجتها. هذه النقاط ستكون محور الحلقة الأولى من ملف «عكاظ» حول (الملكية الفكرية وأهمية تعزيزها في المجتمع) والتي ستتبعها حلقتان عن نموذجين علنيين لانتهاك الملكية الفكرية المنتشرة في مجتمعنا. وسنبدأ الحلقة الأولى بطرح السؤال التالي: هل لدى مجتمعنا وعي بأهمية الملكية الفكرية والحفاظ عليها ؟! وصف وكيل وزارة الثقافة والإعلام المساعد للإعلام الداخلي المتحدث الرسمي للوزارة عبد الرحمن الهزاع مستوى الوعي في الملكية الفكرية في المجتمع السعودي بأنها دون المستوى، مبينا أن الوزارة تبذل جهودا كبيرة لتوعية الناس بأهميتها، وأعلن الهزاع عن استعداد الوزارة لإطلاق حملة قريبة لنشر التوعية بأهمية الحفاظ على الملكية، ودعا الجهات ذات العلاقة مثل المدارس والجامعات والكتاب وأئمة المساجد ووسائل الإعلام لنشر الوعي في هذا المجال، مبديا عدم رضاه التام عن دور الإعلام في مجال التوعية وقال: «نحن نطالب ونناشد وسائل الإعلام بأداء دورها لأن هذه القضية مهمة ومتشعبة وتحتاج إلى دورأكبر وأعمق. لكن نظرة المشرف على الإدارة العامة لبراءات الاختراع في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية الدكتور خالد العقيلي كانت أكثر إيجابية عندما رأى أن وعي المجتمع بالملكية يتطور يوما بعد يوم وعلى مستوى جميع فئات المجتمع ذكورا وإناثا، وأرجع العقيلي ارتفاع الوعي لتطور التكنولوجيا وتعاطي المجتمع معها مما جعلهم أكثر حرصا على حفظ حقوق الآخرين، وبين العقيلي أن بعض المخترعين والمبتكرين لايلجؤون إلينا خوفا على مبتكرهم من السرقة، مفيدا أنهم يقومون بتوعيتهم ووطمأنتهم بأنهم جهة تحافظ على منتجهم بسرية وتساعدهم على حفظ حقوقهم والدفاع عنها، ورأى العقيلي أن نسبة الوعي فيما يختص ببراءات الاختراع تترواح من 25 إلى 30 في المائة أما بالنسبة للمكلية الفكرية بشكل عام فتصل إلى 35 في المائة. ضعف الوعي نظرة العقيلي الإيجابية واجهتها نظرة سلبية من قبل المحامي المتخصص في قضايا الملكية الفكرية عضو لجنة الملكية الفكرية في الاتحاد الدولي للمحامين وعضو لجنة مكافحة الغش والتقليد في غرفة التجارة الدولية في لندن الدكتور ماجد قاروب الذي رأى أن المجتمع السعودي بمختلف شرائحه وطبقاته يعاني من ضعف شديد في الثقافة الحقوقية خصوصا في مجال الملكية الفكرية، وبين قاروب أن ضعف الثقافة تولدت منه مشكلة أخرى هي بحث الناس عن البلاش والرخيص بسبب عدم الوعي بأهمية الجودة والنوعية، وانتشار الفقر في المجتمع. وأشار قاروب إلى أن طبيعة المجتمع السعودي ساهمت في انخفاض الوعي فهو كما يرى «مجتمع تعود على الرعوية ابتداء بالمرحلة الجامعية التي يحصل فيها على مكافأة مالية بالإضافة للقروض الضخمة وغيرها»، مفيدا أن كل هذه الأمور ترسخ مبادئ عدم احترام حقوق الآخرين وضرورة الالتزام بها، موضحا أن المملكة تتكبد خسائر تتجاوز 10 مليارات ريال بسبب قلة الوعي إضافة لحرمان الاقتصاد والمجتمع السعودي من استثمارات لايقل رأس مالها عن عشرين مليار دولار. المجتمع المدني والقضاء ودعا قاروب جميع الجهات بما فيها مؤسسات المجتمع المدني للتحرك لنشر الوعي في المجتمع بأهمية الملكية الفكرية، لكن عضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان عضو مجلس الشورى الدكتور عبد الرحمن عناد رأى أن التوعية لاتمثل أولوية لدى جمعية حقوق الإنسان في ظل وجود قضايا أكثر أهمية للمجتمع، مستدركا «لكن حماية حقوق الملكية الفكرية مبدأ أساسي من مبادئ حقوق الإنسان» . وبين عناد أن الجمعية تهتم بالجانب التوعوي وتشارك مع الجهات الأخرى في ذلك، موضحا أن دور الجمعية هو مراقبة تطبيق الأنظمة واللوائح ومدى تطبيقها في قضايا اختراقات الملكية الفكرية، ولفت عناد إلى أن مسائل التوعية غير كافية مالم يصاحبها ضبط للمخالفات وإيقاع العقوبات القانونية والقضائية وإلا فستصبح حبرا على الورق. ووافق رأي القاضي في المحكمة الجزئية في الرياض الدكتور عيسى الغيث رأي الهزاع وقاروب في أن هناك ضعفا في الثقافة الحقوقية في مجال الملكية الفكرية بأنواعها المرئية والمسموعة والمقروءة سواء التقليدية أو التقنية. وشدد الغيث على وجود قصور في التقنين الكافي لهذه المسألة، وقصور كذلك في تسهيل استقبال الشكاوى لهذه القضايا، ومثلها قضايا جرائم المعلوماتية، موضحا أنه يعتدى على الناس عبر الانترنت والاتصالات ولايجدون القنوات الميسرة لاستقبال هذا النوع من القضايا، ودعا الغيث إلى إنشاء مركز وطني لمكافحة الاعتداء على الملكيات الفكرية ومركز وطني لمكافحة جرائم المعلوماتية، بحيث يقوم كل واحد منهما بثلاثة أدوار أولها السعي في تعبئة الشواغر التقنينية، وثانيها القيام بالتثقيف اللازم والدائم، وثالثها القيام باستقبال قضايا الاعتداء على هذه الحقوق وتبنيها لدى جهات الضبط والتحقيق والادعاء والمحاكمة وحتى التنفيذ. دور الجهات المسؤولة وحمل الغيث مسؤولية انخفاض الوعي للجهات المسؤولة عن حماية الملكية الفكرية في جانب التثقيف من جهة أو في جانب مسؤولية البحث والضبط واستقبال الشكاوى وتبنيها ليأمن الناس على حقوقهم وأعراضهم وبالتالي يتعزز الوعي في المجتمع بهذا المفهوم ويصبح الجميع شركاء في الحفاظ عليه. هذا الاتهام لم يرق للجهات الثلاث المشاركة في حماية الملكية الفكرية وزارة الثقافة والإعلام ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية ووزارة التجارة حيث انبرت كل جهة لبيان دورها والدفاع عن نفسها فمن جانب وزارة الثقافة والإعلام بين المتحدث الرسمي عبد الرحمن الهزاع أن وزارته تقف ضد أي انتهاك وعلى أي مصنف سواء كان مرئيا أو مسموعا أو مقروءا ، مؤكدا أن الوزارة تعمل وفق الاتفاقيات الدولية لحقوق المؤلف، ولفت الهزاع إلى أن لجنة النظر في المخالفات الفكرية في الوزارة تقوم بدورها على أتم وجه وسبق أن أوقعت عدة عقوبات رادعة بحق مخالفين وصلت لمائة ألف ريال، مشيرا إلى أنه لدى الوزارة لجنة شرعية ومراقبون ميدانيون للرقابة على المصنفات وحمايتها، موضحا أن الوزارة تتعاون بشكل كبير مع الأجهزة الأمنية في ضبط المناطق التي لايستطيع موظفو الوزارة الوصول إليها مثل المستودعات والمجمعات السكنية، مفيدا أن الوزارة في صدى تطوير أنظمتها لحماية حقوق المؤلف. لغة الأرقام أما المشرف على الإدارة العامة لبراءات الاختراع في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية الدكتور خالد العقيلي ففضل الرد بلغة الأرقام حيث قال: «الاختراقات التي تحصل في مجال الملكية الصناعية عموما وبراءة الاختراع خصوصا مقارنة في المجالات الأخرى وأنها لاتمثل سوى (2) في المائة فقط من مجموع انتهاكات الملكية الفكرية في جميع المجالات»، واستدل على ذلك بأن لجنة المخالفات لم تنظر خلال ست سنوات إلا في 300 مخالفة وانتهاك أي بمعدل 50 إلى 60 حالة سنويا. وأرجع العقيلي سبب قلة الحالات إلى طبيعة المملكة كونها بلدا غير صناعي وارتفاع نسبة الوعي، وحصر الانتهاكات التي تحصل في الاختراعات غير المسجلة والتي تصنع خارجيا إضافة لبعض الأدوية والمنتجات الصناعية والغذائية. وعن أبرز المعوقات التي تواجههم قال العقيلي: «قد تتوارد بعض الأفكار لدى بعض المبتكرين مع أناس آخرين سبقوهم فنحاول إقناعهم بأن هذا المبتكر ليس لهم وأنه قد سبقهم إليه أناس آخرون»، مشيرا إلى أن عملية الإقناع قد تستغرق منهم فترات طويلة. وأفاد العقيلي أنه لدى المدينة لجنتان إحداهما للفحص تحوي خبراء براءات اختراع، ولجنة أخرى للنظر في المخالفات، موضحا أن اللجنة الأخيرة هي لجنة شبه قضائية تتكون من ثلاثة قانونيين صادر فيها قرار من مجلس الوزراء، ولفت إلى أن مهمتها تلقي الشكاوى والتحقيق، مفيدا أنها تطبق نظام براءة الاختراع وأن عقوباتها تترواح بين إيقاف التصنيع والغرامات المالية إلى السجن والتشهير، ولفت العقيلي إلى أن الاعتراض على الأحكام يتم في ديوان المظالم.. دور المستهلك وأمام الرقم الفلكي الدال على أن خسائر المملكة من الغش التجاري تفوق 11 مليار دولار بين رئيس الجمعية السعودية للإدارة نائب رئيس جمعية المستهلك الدكتور ناصر التويم أن الغش التجاري جريمة قديمة وموجودة في كل عصر، موضحا أن وزارة التجارة تقوم بدورها، وإن وجد قصور في بعض الأحيان لكنها تحاول التلافي وتصحيح المسار، وعول التويم على دور المستهلك في محاربة الغش التجاري وقال: «نحن في الجمعية لدينا خطة ونتعاون مع الوزارة في تعزيز دور المستهلك في كشف الغش التجاري وتقليل الاختراقات في هذا المجال حفاظا على مصلحة المواطن والاقتصاد الوطني». قوانين ليست كافية وفي مجال القضاء والقانون اعتبر مختصون أن القوانين الموجودة لملاحقة منتهكي الملكية الفكرية ليست كافية، مشيرين إلى أن المشكلة تكمن في آليات تطبيقها. حيث بين المحامي الدكتور ماجد قاروب أن القوانين في المملكة متوافقة مع الحد الأدنى المتعارف عليه عالميا، مستدركا لكن تبقى آلية تنفيذ هذه القوانين، مشيرا إلى أن جميع الأجهزة الحكومية المختصة في الملاحقة تعاني من ضعف في الإمكانيات وضعف تأهيل العاملين في مجال الملكية. بينما رأى القاضي الدكتور عيسى الغيث أن القوانين رادعة لكنها غير كافية وشاملة من ناحية وغير مفعلة من ناحية أخرى، مشددا على أن هناك قصورا كبيرا في التوعية بطريقة استقبال القضايا من المجني عليهم وتسهيل قبولها وتسريع إجراءات التحقيق فيها وإكمال لازمها. وأجمع الغيث وقاروب على أن التقاضي قي قضايا الملكية الفكرية في المحاكم قليل، مرجعين سبب ذلك ليس إلى قلة الانتهاكات ولكن ضعف الوعي لدى الناس، أو كسل المعتدى عليه في المطالبة بحقه. وأوضح قاروب أنه في حالة ضبط قضية ما تحال إلى هيئة التحقيق والادعاء العام للمطالبة بالحق العام، وإحالة القضية إلى المحكمة في مسار منفصل لتعويض الحق الخاص منتقدا عدم تطور فقه التعويض بما يجبر التعويض ويعوض الخسائر المتحققة بالشكل الكافي الذي يحمي الاستثمارات والحقوق. ولفت قاروب إلى أن هناك مشكلة تواجه الناس المتقاضين تتمثل في قلة المحامين المتخصصين في قضايا الملكية الفكرية والذين لا يتجاوز عددهم 10 محامين من أصل 1500 محام في المملكة، مرجعا ذلك لضعف أقسام القانون في المملكة.