يبدو أن لباقة الحوار وآدابه بيننا بشكل عام، وفي وسائل إعلامنا العربي بشكل خاص، قد وصلت إلى حد فحصها وتمحيصها وتقويمها، بل وربما الدعوة إليها لفقدانها تماما، بحيث نالت اهتمام منتدى الإعلام العربي الذي عقد على مدار يومين كاملين في دبي، وحضره أكثر من ألفي إعلامي عربي وعالمي، لمناقشة عدد من القضايا التي تواجه الإعلام العربي المرئي والمكتوب، بالإضافة إلى العديد من الشخصيات البارزة على المستوى العربي والدولي من أمثال العالم المصري الدكتور أحمد زويل، الذي أشار في كلمته أمام المنتدى إلى وجود صعوبة كبيرة في فصل مزاج الثقافات في العالم العربي، حيث يوجد تقليد إعلامي أعمى، مشيرا إلى أن هناك فرقا بين السعي إلى التحديث مع الاحتفاظ بالهوية والثقافة، والتقليد الأعمى الذي يؤدي إلى مشاكل في الإعلام. ولا شك أن هذا المنتدى قد ناقش العديد من القضايا المهمة، وشهد سجالات ومداخلات قيمة للغاية، لكن ما أود الوقوف عنده في هذه السطور هو تلك البرامج الحوارية التي باتت واضحة لعديد من الفضائيات التي استحوذت على اهتمام ملايين المشاهدين، ليس لما تناقشه من قضايا في كثير من الأحيان، بقدر ما «تسلي» المشاهدين، بمشاهد تمثيلية هزلية «كوميدية» مضحكة، ومبكية في نفس الوقت، لأنها مع ما يلقى فيها من سباب وشتائم وألفاظ مهينة، تعكس مدى ما وصلت إليه أدبيات الحوار بين المثقفين في عالمنا العربي، الذين نعلق عليهم الآمال في حلول مشاكلنا ونهضة أمتنا. الجلسة الأخيرة من جلسات هذا المنتدى بعنوان «لا تقاطعني» ناقشت لباقة الحوار، وفضيلة الإنصات، حيث استضافت مجموعة من مقدمي البرامج الحوارية، وتناولت شكل ومضمون هذه الحوارات على فضائياتنا، ومدى إسهامها في الارتقاء بالوضع العربي الراهن. وقد أشار الأستاذ محمد النغيمش إلى دراسته العلمية التي أجراها، ووصل فيها إلى أن 70 في المائة من العرب المشاركين في البرامج الحوارية لا يتحلون بآداب الحوار، حيث يرددون كلمات لا تنم عن لباقة، ويقاطعون محدثهم بطريقة تشتت أفكار المتحاورين وتربكهم، وكيف أن عالمنا العربي «يعاني» من أزمة حوار وإنصات، كما أن (57 في المائة) من المتكلمين يتعرضون إلى مقاطعة حديثهم ويستمرون في الكلام دون توقف غير آبهين بمن يقاطعهم. من العجيب حقا أن تصل حواراتنا إلى هذا المستوى المتدني من اللياقة والأدب، وقد أسهم علماؤنا منذ مئات السنين في وضع أسس الحوار والجدل والمناظرة، وفرقوا بداية بين المناظرة والمكابرة والمعاندة والمجادلة، والثلاثة الأخيرة أظنها هي السائدة بيننا في فضائياتنا وللأسف الشديد. لقد أرسى القرآن الكريم كما يقول السيوطي في الإتقان أسس الحوار وفقا لمنهج علمي قويم، ويمكننا أن نستخلص من الآيات الكريمة قواعد عامة للحوار أهمها: * تخلي طرفي الحوار أو المناظرة عن التعصب. * التزام طرفي المناظرة بآداب الجدال كالقول الحسن المهذب، وعدم التجريح والاستهزاء والاحتقار من طرف لآخر. * الالتزام بالطرق والأساليب المنطقية السليمة في الحوار كتقديم الأدلة المثبتة أو المرجحة لقضايا الحوار واستخدام القياس بأنواعه المختلفة وغيرها. * تجنب الإطالة في غير فائدة. * ملاءمة الكلام للموضوع وعدم الخروج عنه. من المهم جدا أن نعلم أولادنا من صغرهم آداب الحوار، وعيوب الحوار، مع الآباء، مع الإخوان والأصدقاء، مع المخالفين لنا في الرأي، بل وفي العقيدة، فهلا نحاول ونجرب. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 177 مسافة ثم الرسالة