أبلغت المملكة لجنة الأممالمتحدة لمنع الجريمة والعدالة الجنائية في دورتها ال 19 المنعقدة حاليا في فينا، أن الجهات المختصة في المملكة تعكف حاليا على إعداد مشروع «نظام لحماية الأموال العامة ومكافحة سوء استعمل السلطة». وأوضح مدير عام الإدارة العامة للشؤون القانونية والتعاون الدولي المكلف بوزارة الداخلية الدكتور عبد الله بن فخري الأنصاري، الذي ترأس وفد المملكة لاجتماعات اللجنة الأممية التي تستمر حتى يوم الجمعة المقبل، أن «النظام يهدف إلى المحافظة على الأموال العامة وصيانتها بما يتواكب مع المستجدات والتطورات المختلفة المتصلة في الإدارة الحكومية، وحماية الوظيفة العامة من التعدي والاستغلال لمآرب وأغراض شخصية، وقد وصلت دراسة المشروع إلى مرحلة متقدمة للغاية». وقال: «إن المملكة انطلاقا من تعاليم الشريعة الإسلامية بادرت إلى وضع آليات قانونية تكفل تحصين المجتمع ضد الفساد، وكشف مرتكبيه ومحاسبتهم، وتعزيز التعاون مع غيرها من الدول في سبيل مكافحته». وأفاد الأنصاري لدى إلقائه كلمة المملكة أمس أمام اللجنة الأممية: «قامت المملكة بالتوقيع على «اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد» وهي قيد إجراءات المصادقة من قبل الجهات المختصة في المملكة، كما صادقت في 18/1/2005م على «اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية» والبرتوكولات المكملة لها، وعقد عدد من الاتفاقيات الأمنية الثنائية مع غيرها من الدول الصديقة شملت التعاون على مكافحة الفساد وملاحقة مرتكبيه». وزاد «على الصعيد الداخلي أصدرت المملكة العديد من الأنظمة التي تتعلق بمكافحة الفساد كنظام مكافحة الرشوة، نظام مكافحة التزوير، نظام تأديب الموظفين، ونظام محاكمة الوزراء الذي تضمن عقوبات تشمل العزل من المنصب والحرمان من تولي الوظائف العامة والسجن لفترات متفاوتة بحق أي وزير ثبت استغلال منصبه للحصول على فائدة شخصية له أو لغيره، أو في حال قبوله لفائدة أيا كان نوعها لنفسه أو لغيره لقضاء عمل رسمي أو الامتناع عن عمل رسمي، أو استغل نفوذه للحصول على فائدة أو ميزة لنفسه أو لغيره من أية هيئة أو شركة أو مؤسسة أو مصلحة من مصالح الدولة، أو تعمد مخالفة النظم واللوائح والأوامر التي يترتب عليها ضياع حقوق الدولة المالية أو حقوق الأفراد، أو تدخل شخصيا في شؤون القضاء والهيئات والدوائر الحكومية». واستطرد الأنصاري «على الصعيد الداخلي أيضا، أصدر مجلس الوزراء في 2/5/2004م الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد التي أكدت على مبدأ مساءلة كل مسؤول مهما كان موقعه ومركزه عن المخالفات وأوجه القصور»، وقال: «تهدف الاستراتيجية إلى مكافحة الفساد بشتى صوره ومظاهره، وتوفير المناخ الملائم لنجاح خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتحقيق العدالة بين أفراد المجتمع». ولفت إلى أن الاستراتيجية تناولت عددا من الوسائل لتحقيق ذلك، ومنها: التأكيد على مبدأ تحسين أوضاع المواطنين الأسرية والوظيفية والمعيشية وبخاصة ذوي الدخل المحدود وتوفير الخدمات الأساسية لهم، وعدم التمييز في التعامل، وعدم النظر إلى المركز الوظيفي أو الاجتماعي للشخص، وعلى تطوير وتقويم الأنظمة الرقابية والإدارية والمالية لضمان وضوحها وسهولة تطبيقها وفعاليتها، وعلى تقليص الإجراءات وتسهيلها والتوعية بها، وعلى ضمان وضوح التعليمات الخاصة بالرسوم والمستحقات والغرامات وتسديدها، وسد الثغرات التي تؤدي إلى الفساد. وقال الأنصاري: «تمثلت الآلية التي وضعتها الاستراتيجية في سبيل تحقيق أهدافها في إنشاء «هيئة وطنية لمكافحة الفساد» التي من أبرز مهماتها متابعة تنفيذ الاستراتيجية ورصد نتائجها وتقويمها ومراجعتها، ووضع برامج عملها وآليات تطبيقها، وتنسيق جهود القطاعين العام والخاص في تخطيط ومراقبة برامج مكافحة الفساد وتقويمها». وأشار رئيس وفد المملكة لاجتماعات لجنة الأممالمتحدة لمنع الجريمة والعدالة الجنائية إلى أن ديوان المراقبة العامة بدأ في تنفيذ الخطة الخمسية الثانية في المملكة لمكافحة الفساد المالي والإداري في الإدارات الحكومية، وفق منهجية علمية استندت إلى نتائج دراسة وتقييم تنفيذ الخطة الاستراتيجية الأولى والاسترشاد بعدد من الخطط الاستراتيجية للأجهزة الرقابية النظيرة وبعض المنظمات الإقليمية والدولية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة. وأبرز الأنصاري وفي سياق جهود المملكة الرامية للتصدي للفساد قائلا: «إن المملكة خطت خطوات حثيثة نحو تطبيق الحكومة الإلكترونية، والتي أثبتت الدراسات مدى شفافية هذا النوع من التعاملات»، وأضاف «الحكومة الإلكترونية تتيح إنجاز المعاملات دون تحيز بين المنتفعين بالخدمات العامة عن طريق إتباع إجراءات محددة منصوص عليها في نظام الإدارة الإلكترونية»، مشيرا إلى أنها توفر نظاما دقيقا للمراجعة والمحاسبة، وتقلل من المشاكل الإدارية والتنظيمية والاجتماعية التي تساعد على الرشوة، خاصة أن الحكومة الإلكترونية تعمل على تقليل تأثير العلاقات الشخصية على إنجاز الأعمال. وأكد الدكتور الأنصاري للجنة الأممالمتحدة لمنع الجريمة والعدالة الجنائية، أن القرارات الملكية الأخيرة التي صدرت بشأن «كارثة سيول جدة» إدانة صريحة وغير مسبوقة لكل أشكال الفساد وتعزز ثقة المواطن بالمؤسسات الرسمية وبكافة الجهات الرقابية المعنية بمكافحة الفساد، وذلك من خلال إحالة جميع المتهمين في هذه القضية إلى هيئة التحقيق والادعاء العام وهيئة الرقابة والتحقيق كل فيما يخصه بعد استكمال قضاياهم من جهة الضبط الجنائي، مبينا أن القرارات الملكية وجهت وزارة الداخلية بإدراج جرائم الفساد المالي والإداري ضمن الجرائم التي لا يشملها العفو، وتكليف هيئة الخبراء بمجلس الوزراء بتطوير أنظمة الرقابة والضبط ووحدات الرقابة الداخلية بما يمكنها من أداء المهمة المنوطة بها. وقال: «تحمل هذه القرارات في طياتها دعوة للأجهزة الحكومية المعنية إلى القيام بمهماتها في حماية النزاهة ومكافحة الفساد وممارسة اختصاصاتها وتطبيق الأنظمة المتعلقة بذلك وتقليص الإجراءات وتسهيلها والعمل بمبدأ المساءلة لكل مسؤول مهما كان موقعه وفقا للأنظمة». وفي نهاية الكلمة، دعا الدكتور الأنصاري إلى المزيد من التنسيق بين أعضاء المجتمع الدولي على الصعيد الثنائي، والسعي بصورة أكبر إلى تفعيل الأدوات القانونية الدولية والإقليمية المعنية بمكافحة هذه الآفة، والاستفادة من الخدمات والبرامج التدريبية التي توفرها المنظمات والجهات المتخصصة بهذا الخصوص.