كثر الحديث في هذه الأيام عن تحديد جهة الاختصاص لمحاكمة الإعلاميين، فمن الناس من يرى أن كل قضية ذات طابع إعلامي هي من اختصاص اللجنة التي تنظر في مخالفة أحكام نظام المطبوعات والنشر الصادر بالمرسوم الملكي رقم «م /32» وتاريخ 3/9/1421ه ، بناء على قرار مجلس الوزراء رقم «211» وتاريخ 1/9/1421ه بتشكيل وزير الإعلام، ومن الناس من يرى غير ذلك، لكن أرى من منظور قانوني أن المسؤولية عن الخطأ الناتج عن فعل الإعلامي له دور كبير في تحديد جهة الاختصاص لمحاكمته. ولابد لتوضيح ذلك من الحديث عن المسؤولية، فأقول إن المسؤولية تنشأ عن الفعل من خلال الخطأ في تنفيذ التزام سابق بغض النظر عن مصدر هذا الالتزام، ومصدر الالتزام إما أن يكون أدبيا متمثلا في آداب الشريعة وأعراف الناس، أو قانونيا متمثلا في القانون أو النظام. فإن كان الخطأ أدبيا، فالجزاء المترتب على هذا الخطأ جزاء أدبي يتمثل في تأنيب الضمير أو استهجان المجتمع، أو جزاء ديني يتمثل في العقاب الأخروي. والمسؤولية الأدبية معيارها حسن النية أو سؤوها، ولكن مما يميز هذه المسؤولية أنها قد تتحقق بالخطأ دون إلحاق ضرر بأحد. وإن كان الخطأ قانونيا فالجزاء المترتب على هذا الخطأ جزاء قانوني، فإذا كان إخلال صاحبه يمس المجتمع بأكمله كانت مسؤوليته جنائية، وإن كان إخلاله يتطلب تعويضا ترتب على إخلال بما يمس مصلحة شخص طبيعي أو اعتباري كانت مسؤوليته مدنية، وقد تجتمع المسؤوليتان باجتماع الإخلالين كما في جرائم القتل ونحوها. والمسؤولية القانونية معيارها الإخلال بالالتزام القانوني. أما المسؤولية القانونية الجنائية فلا تنشأ إلا بعد اجتماع ركني الجريمة المادي والمعنوي؛ المادي المتمثل في النشاط الإجرامي بوجود فعل ونتيجته وعلاقة بين الفعل والنتيجة، والمعنوي المتمثل في القصد الجنائي. وأما المسؤولية القانونية المدنية فهي مسؤولية تنشأ عن إخلال بالتزام سابق اشتملت على تقصير وضرر وعلاقة بينهما تثبت أن هذا التقصير سبب في حدوث الضرر، بيد أن مصدر الالتزام في المسؤولية القانونية المدنية قد يكون عقدا بين المخطئ والمتضرر وقد يكون المصدر بينهما القانون أو النظام في صورة تكاليف عامة تفرض على المجتمع كافة، فإن المسؤولية القانونية المدنية تأخذ شكلين يعتبران أقساما لها، فتكون مسؤولية مدنية عقدية في حال كون مصدر الالتزام بين المخطئ والمتضرر عقدا، وتكون مسؤولية مدنية تقصيرية في حال كون مصدر الالتزام القانون أو النظام كما تقدم. إخلال المؤسسة الإعلامية أما إخلال الإعلامي أو المؤسسة الإعلامية بشيء مما عهد به إليهما نظام المطبوعات والنشر المشار إليه، فإن هذا الإخلال إن لم تنشأ عنه مسؤولية جنائية أو مدنية فهو مخالفة إدارية تنظرها اللجنة المكلفة بذلك حسب المادة «37» من النظام المشار إليه، وهذا يسوقنا للقول بالتفصيل تجاه إخلال الإعلامي أو المنشأة الإعلامية، فليس صحيحا أن يقال أي قضية لها طابع إعلامي لا ينظرها إلا اللجنة التي حددها النظام، بل يقال أي مخالفة لم تنشأ عنها مسؤولية قانونية جنائية أو مدنية لا ينظرها إلا اللجنة التي حددها النظام، ولو أخذنا برأي من يقول إن أي قضية لها طابع إعلامي هي من اختصاص اللجنة لأهدرنا النظر في ما يترتب على المسؤولية القانونية الجنائية والمدنية. ومما يجدر التنبيه له أن النظام في المادة «40» منه جعل لمن يصدر بحقه قرار من اللجنة التظلم لدى ديوان المظالم باعتبار ما صدر من اللجنة بحقه قرارا إداريا، وهذا يؤكد على أنها لا تنظر ما ينشأ من الإخلال الجنائي والمدني. بل مما يوضح الأمر أكثر أن النظام في المادة «38» منه ذكر العقوبات للجنة على سبيل التخيير وجعل أعلاها إغلاق المؤسسة نهائيا؛ الأمر الذي يدل على أنه لو انقطع الإعلامي بالاستقالة أو انسحبت المنشأة من السوق من تلقاء نفسها لم يكن للجنة طريق عليهما، فماذا سيكون عن المسؤولية القانونية جنائية كانت أو مدنية ؟. وفي الختام أحب التوضيح إلى أن الذي عليه العمل في عرف القضاء العالمي أن النظر في المسؤولية الجنائية لا يعقل النظر في المخالفة الإدارية فلكل واحدة مجالها، فقد تنظر القضية جنائيا وإداريا في آن واحد. كما أوضح أن الجهة التي تنظر المسؤوليتين القانونيتين الجنائية والمدنية في بلادنا هي المحاكم العامة والجزئية، وقد أسندت بعض القضايا الجنائية للحق العام للدوائر الجزائية بديوان المظالم، كما أسندت القضايا المدنية المتعلقة بنظام العمل والعمال للجان ذات اختصاص قضائي في مكاتب العمل، وكذلك القضايا المدنية المتعلقة بالأوراق التجارية للجنة ذات اختصاص قضائي في وزارة التجارة، وأسندت كذلك القضايا المدنية المتعلقة بالمصارف لهيئة تسوية المنازعات المصرفية باعتبارها لجنة ذات اختصاص قضائي، وغير هذه اللجان في غير هذه القضايا التي يكون لها اختصاص قضائي بتكوينها من قضاة ومستشارين. * القاضي في المحكمة الإدارية في المدينة المنورة