أقل ما يمكن أن يقال عن مسلسل «يوميات ونيس» إنه عمل ممتع، خفيف على الروح والقلب، وفيه من التسلية والضحك البريء ما يصعب تحقيقه في عمل آخر، يمكن قول أشياء أخرى كثيرة، فهذا المسلسل التلفزيوني العربي الوحيد الذي برر لنا عمليا أحقيته في أن يتم تقديمه على أجزاء متباعدة وصلت حتى رمضان الماضي إلى ستة أجزاء، حيث أضيفت كلمة إلى عنوان المسلسل الرئيسي، فصار «يوميات ونيس وأحفاده»، وحين أقول إن العمل برر لنا تتابعه كأجزاء، فذلك لأنه بالفعل بدأ بنا من عائلة صغيرة تابعنا أبطالها وهم يكبرون في الحقيقة وفي المسلسل بطريقة متوازية، وينتقلون من مرحلة إلى مرحلة، وتتغير أشكالهم بحسب السن، مما نجح في صناعة كيمياء تعاطف كبيرة بيننا وبينهم كأنهم جزء من بيت المشاهد العربي، أو كأنهم أقارب أو جيران لكل واحد منا. ولا شك أننا في الجزء السادس دهشنا من تغير أشكال أبناء ونيس بعد أن كبروا، خاصة الصغيرة هدى التي صارت عروسا جميلة، كما أن حزننا كان واضحا لفقدنا للأم الجميلة ميسا، وقد كان من الطبيعي أن يتورط المسلسل بأكثر من فقد، لأنها سنة الحياة. وصحيح أن المسلسل فقد ثمانية عشر فنانا انتقلوا إلى رحمة الله تعالى، إلا أن فقد الفنانة المحبوبة (سعاد نصر) كان مؤثرا بحق حتى على مستوى الدراما نفسها التي اضطرت لاختراع شخصية أختها العائدة من أمريكا لتلعب دورا قريبا من دور ميسا، وقد نجحت الأخت الجديدة في سد نصف الفراغ الذي خلفته «ميسا»، ولا أظن أن ذلك قليلا، والأكيد أن «يوميات ونيس» مسلسل ناجح وجيد ويحظى بمتابعة أسرية حقيقية، فالعائلة التي لم تعد قادرة على الاجتماع، حتى على مائدة الطعام، أمكن لهذا المسلسل أن يجمعها على شاشة واحدة، لكنني حين أعود بالذاكرة إلى كل أجزاء المسلسل أكتشف أنه وبالرغم من نجاح «يوميات ونيس»، إلا أن «ونيس» نفسه قد فشل، فإن لم يكن كذلك، فإنه لم يحقق من النجاح شيئا، فإذا كانت الملاحظة السلبية القديمة على المسلسل في أجزائه الخمسة الأولى أن جميع الشخصيات فيه تعاني من ضعف وعيوب وتتقلبها الرغبات والأهواء باستثناء «ونيس» المستقيم، والذي لا يخطئ أبدا، ولا تزل قدمه مطلقا بطريقة ملائكية غير معقولة، فإن المسلسل في جزئه السادس، حيث «يوميات ونيس وأحفاده»، يكشف لنا أمرا آخر شديد الخطورة يتمثل في عدم قدرة «ونيس» على تغيير أي شيء في أخلاقيات وتصرفات من هم حوله، فلا زال «عبد الله» عبيط وأهبل، ولا يزال «ثروت» يجلب الهدايا الغريبة غير المناسبة، ولا زال «غريب» يعاني من جفاء أولاده وأحفاده، وهكذا جميع الشخصيات، بل حتى أولاد «ونيس» نفسهم لم تنفع فيهم كل تلك التربية الرائعة المنفعة المنتظرة، ولم يظهر فيهم من هو بربع مواصفات «ونيس» الأب، لا الأولاد ولا الجيران ولا الأصدقاء ولا المجتمع تطور، وبقي «ونيس» ملائكيا يدافع عن المثل والقيم والأخلاق بشجاعة وإصرار. ملاحظة أخيرة: لقد كانت الأم «ميسا» تطالب بأن يكون عنوان المذكرات شاملا اسمها، ليصبح «يوميات ونيس وميسا»، وكان هذا طلبا عادلا وحقا مهدرا لدور الأم في المنزل، وكانت أسباب عدم إضافة اسمها إلى المسلسل واهية، وأظن أن أنانية الفنان النجم محمد صبحي، أو «ونيس» نفسه، ظهرت هنا بشكل واضح دون أن ينتبه لها أحد، لكنها الأيام تجري، والعمر يمر، وهاهو «ونيس» يجد نفسه مجبرا على إضافة « .. وأحفاده» إلى الجزء السادس. أظن أن «ونيس» ومحمد صبحي معا يتحسران اليوم ندما على عدم إضافة اسم «ميسا» إلى عنوان المسلسل، فقد كانت «ميسا» والراحلة (سعاد نصر) تستحقان ذلك فعلا!