مع توقيع الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري أمس على مرسوم يشتمل على إصلاحات دستورية تاريخية كبرى تجرده من صلاحية حل البرلمان وإقالة رئيس الوزراء، تدخل الباكستان رسميا مرحلة جديدة من مراحل العمل السياسي، تنتقل بموجبه من النظام الرئاسي إلى النظام البرلماني. وبمقتضى هذه التعديلات، سيحتفظ رئيس الوزراء جيلاني بجميع الصلاحيات، ليصبح الرجل الأقوى في التركيبة السياسية بعد المؤسسة العسكرية، والمعروفة تاريخيا بأنها صانعة القرار الأكثر تأثيرا وقوة على المسرح السياسي. ووفق التعديلات الدستورية، يصبح زرداري رئيسا فخريا للباكستان، وسيكون بوسعه فقط تعيين قادة القوات المسلحة وحكام الولايات. ووصف المراقبون التعديلات الدستورية، بأنها انتصار للديموقراطية وتشكل مرحلة حاسمة في تاريخ باكستان الدستوري. كما يرى المراقبون أن هذه التعديلات لاتؤثر على حصانة زرداري، لكن المحكمة العليا التي يترأسها افتخار شودري، غريم زرداري، ستمارس ضغوطا على الحكومة من أجل إعادة فتح قضايا فساد في الداخل والخارج، بعدما ألغت عفوا كان يحمي السياسيين. ويشير المراقبون أن الباكستان ستشهد مرحلة من الهدوء السياسي الذي قد يسبق العاصفة. وتم التوقيع على التعديلات الدستورية، التي أقرها في الماضي الرئيسان ضياء الحق، وبرويز مشرف، في حفل أقيم في القصر الرئاسي بحضور القيادات السياسية، من ضمنهم نواز شريف رئيس حزب الرابطة الإسلامية. وحظيت التغييرات بترحيب واسع النطاق في الباكستان، باعتبارها خطوة مهمة نحو إدخال تحسينات طويلة المدى على الحال المتردية للديمقراطية، بيد أن هذه التغييرات قد تهدد كذلك بفتح فصل جديد من غياب الاستقرار أمام الرئيس زرداري، نظرا لما تتضمنه من تقليص لسلطاته، مما يجعله أكثر ضعفا في مواجهة التحديات الصادرة عن المعارضة. وتمثل التعديلات لحظة نادرة من الإجماع داخل المشهد السياسي الباكستاني المنقسم على نفسه. ويعتقد المراقبون أن من شأن هذه التغييرات استعادة الديمقراطية، عبر بناء نظام برلماني يرأسه رئيس الوزراء يوسف جيلاني، والقضاء على السلطات المتراكمة التي دمجها الحكام العسكريون في منصب الرئاسة. لكن باكستان غالبا ما اتسم الوضع السياسي بحالة عدم الاستقرار على مدار تاريخها الممتد منذ 62 عاما، حيث لم تنجح حكومة منتخبة قط في إتمام دورة عملها. ويعتقد كثيرون أن المؤسسة العسكرية لعبت دورا رئيسا صامتا في إقناع زرداري بقبول التعديلات الدستورية، واحتل الجنرال أشفاق برويز كياني، قائد الجيش، مكانة محورية هادئة في المسرح السياسي، وتعامل مع الأزمات السياسية والأمنية بهدوء تام، وكان بمقدوره أن يتقلد السلطة ويعلن حالة الطوارئ، إذ سنحت له الفرصة عدة مرات إلا أنه تعامل بحكمة وحنكة سياسية وعسكرية بالغة، خاصة أن قواته مازالت تخوض حربا شعواء على القاعدة وطالبان في مناطق القبائل المتاخمة للحدود الأفغانية، بيد أن بعض العسكريين المتقاعدين يرون أن السلطة انتقلت عمليا من إسلام آباد، العاصمة السياسية إلى روالبندي، العاصمة العسكرية، بعد التعديلات الدستورية التي من شأنها المساهمة إعادة تنظيم السلطة على نحو قد يبدل الوضع الراهن، حيث سيفقد الرئيس سلطته، التي تخوله حل البرلمان، وهي سلطة تعد بمثابة سلاح كان في يد جميع الرؤساء السابقين، الذين استخدموا الصلاحيات الدستورية وحلوا البرلمان وأقالوا العديد من الحكومات المنتخبة. وعليه فإن دور الرئيس سيكتسب طابعا شرفيا، بينما يكتسب رئيس الوزراء سلطات أكبر. والسؤال الذي يطرح نفسه، هل ماجرى من تعديلات يعتبر تحولا صحيا على الساحة السياسة على المدى البعيد، وتحديدا على قدرة حكومة على الاستمرار في برنامجها السياسي، أم أن هذه التغييرات ستعطي فرصا أمام أخطر خصوم زرداري، وتحديدا نواز شريف، والتي أعطته التعديلات فرصة تاريخية، لتولي منصب رئيس الوزراء لمرة ثالثة، والتي كان يتطلع إليها منذ فترة، وقوبلت بمعارضة شديدة من الرئيس زرداري نفسه في الماضي. المصادر تشير أن الطريق باتت ممهدة الآن أمام شريف، للضغط أكثر على حزب الشعب الحاكم وإرغامه على تقديم المزيد من التنازلات السياسية. في المقابل، يرى أنصار زرداري أنه بتخليه عن بعض سلطاته، فإن الرئيس زرداري أوفى بوعد كان قد قطعه على نفسه منذ عامين لدى توليه الرئاسة، وأن هذه الخطوة من شأنها حرمان خصومه السياسيين صلاحياته لصالح رئيس الوزراء، فإنه في الوقت الراهن على الأقل يحتل هذا المنصب يوسف رضا جيلاني، وهو عضو قيادي في حزب الشعب الباكستاني الحاكم السياسي الذي يترأسه زرداري، ومن غير المحتمل على الأقل في المرحلة الحالية أن تشهد العلاقة بين زرداري وجيلاني أي تغيير، ولكن الباكستان عودتنا دائما بالمفاجات، والأسابيع والأشهر القادمة حبلى بالمفاجآت. لننتظر، ونر.