قرار تاريخي بكل المقاييس؛ ذلك الذي اتخذه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز يوم أمس الأول، القاضي بإنشاء مدينة علمية بمسمى (مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة).. ويعكس القرار رؤية ثاقبة لمستقبل الأمة، كما يجسد وعيا عميقا بمقتضيات المرحلة الآنية والمستقبلية، بل إن القرار الملكي التاريخي الذي تناقلته وكالات الأنباء ووسائل الإعلام العالمية، ووجد صدى لافتا في مراكز الأبحاث والدراسات العالمية، أكد إدراك المملكة لأهمية استثمار الطاقة الذرية والاستفادة منها في تحقيق التنمية المستدامة وتلبية الاحتياجات المعيشية للإنسان السعودي. ولقد حدد القرار التاريخي الهدف العام لمدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة بكل وضوح، حيث نص على أن هذه المدينة تهدف إلى المساهمة في التنمية السعودية المستدامة؛ معتمدة في ذلك على العلوم والبحوث والصناعات ذات الصلة بالطاقة الذرية والمتجددة في الأغراض السلمية بما يؤدي إلى رفع مستوى المعيشة وتحسين نوعية الحياة في المملكة العربية السعودية. هذا إلى جانب دور المدينة في دعم نشاطات البحث والتطوير العلمي وتوطين التقنية والاتصال الدولي بالمنظمات الدولية المعنية بالطاقة الذرية. والواقع هو أن الطاقة الذرية أصبحت تستخدم في شتى مجالات الحياة، لا سيما في مجالات توليد الطاقة الكهربائية وتحلية المياه وفي المجالات الطبية والعلوم الطبية والصناعية والتعدينية. وهناك تزايد معياري في استخدامات هذه الطاقة، لا سيما في الدول المتقدمة، ففي عالم الطب والعلوم الطبية، هناك ما بات يعرف ب(الطب النووي) الذي اتسع استخدامه بشكل كبيرفي الرعاية الطبية، ولا يمكن أن تخلو مستشفى في عالم اليوم من تقنيات الطب النووي، بل إن الطاقة الذرية أسهمت بشكل فاعل في تطور العلوم الطبية وفي تطور الرعاية الطبية. وفي مجال توليد الكهرباء وتحلية المياه، تعد الطاقة الذرية المستخدم الأساس في توليدها في الدول الصناعية. وتشهد المملكة تزايدا كبيرا في الطلب على الكهرباء والمياه، وتستخدم كميات هائلة من الطاقة البترولية في توليدها، وهذا ما أكدته دراسة أجرتها وزارة البترول والثروة المعدنية أفادت بأن كميات البترول المستخدمة لتوليد الكهرباء وتحلية المياه في المملكة تعد ضخمة، إلى جانب الأضرار التي تلحقها بالبيئة، وأوصت باستخدام الطاقة الذرية في هذا المجال. وفي قطاع الزراعة، هناك استخدامات للطاقة الذرية تسهم في توفير الاحتياجات الغذائية للسكان. أما في قطاع الصناعة، فإن استخدام الطاقة الذرية أسهم في تطور الصناعات في الدول الصناعية، وأصبحت تستخدم بشكل واسع في المصانع. إجمالا.. أقول إن القرار تاريخي من رائد النهضة السعودية، وهو يعكس حجم الوعي بأهمية هذه الطاقة والاحتياج المستقبلي لها في توفير متطلبات الحياة المعيشية والتنمية المستدامة للشعب السعودي والأجيال القادمة بإذن الله تعالى. وكان اختيار معالي الدكتور هاشم يماني اختيارا صائبا إلى جانب الاختيار الموفق لنائبيه. وعطفا على تاريخية القرار وأهمية الدورالمحدد لمدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة، فإن الأمل يحدونا إلى أن يكون هناك سباق مع الزمن لترجمة هذا القرار إلى واقع تاريخي وفق أسس تطبيقية مبنية على معايير استراتيجية. داعيا المولى عز وجل أن يديم على هذه البلاد وأهله كريم نعمائه، وأن يكلأ برعايته رائد نهضتنا المعرفية، وأن يوفق القائمين على هذه المدينة لكل ما فيه خير هذه البلاد وأهلها.