هكذا صدمه السؤال، وهو يدخل لمجلس مليء بأشخاص ينتمي أغلبهم لأسرة واحدة، لم يعلق، لكنه سمع نهاية القصة من أحدهم: المدير الحقير الذي يريد قطع رزقه، وتابع: «الله يقطع رزقه ورزق عياله». ود أن ينبهه أن أبناء المدير لا دخل لهم، لكن الجميع سبقوه إذ قالوا: «آمين»، لم يحاول فتح حوار حول اللعن، وحول أخذ أحد ما بجريرة الآخر، فهو ضيف جديد ومن الأدب أن يصمت. ابتلع حواره، ومال برأسه نحو صديقه، سأله: ما قصة المدير؟ قال صديقه: إن فلانا أحضر ورقة من مستشفى لتغيبه 20 يوما، ولأن المدير لا يحبه، طلب التحقيق واكتشفوا أن الورقة لم يوقعها أي طبيب، بل قام قريب لنا بختم الورقة بعد أن زور التوقيع. قال له: أي اكتشفوا أنها مزيفة؟ تابع صديقه: يا أخي القضية ليست في التزوير.. القضية أن قريبنا الذي وقف معنا وقام بالواجب سيتضرر أيضا، ما ذنبه؟ الله لا يوفق هذا المدير الظالم، ويقطع رزقه ورزق عياله. ترك صديقه يثرثر حول الشهامة والرجولة والكرم، فقد أحضرت ذاكرته حكاية ذاك الإعرابي الذي يروى أنه قبل الإسلام سئل عن مفهوم العدل في نظره، فأخبرهم أن العدل هو أن يغزو قبيلة ويسبي النساء والأغنام. وسئل عن الظلم، فقال: أن تغزوهم تلك القبيلة وتسترد النساء والأغنام. حدث هذا قبل 14 قرنا، فجاء الإسلام ليطرح مفهوما آخر عن العدل والظلم يختلف عما يراه ذاك الإعرابي. عاد من ذاكرته على جملة صديقه وهو يقول له: «بالله عليك هذا المدير مو حقير»؟ لم يجب، قال ضاحكا: يا صديقي الأعرابي كيف عشت كل هذه السنين؟ بدا صديقه مدهوشا قال: ما فهمت «وش تقصد»؟ لا شيء.. لكني أشعر أنك قديم، يبدو إن لم أكن مخطأ عمرك اقترب من القرن 15، ولكن كيف تسنى لك ألا تموت، أعني كيف تسنى لفكرك أن يعيش رغم أنك تصلي خمسا كل يوم؟ وقبل هذا. ما مفهوم كلمة حقير لديك، ومن يستحقها، ولماذا أصبح مثل هذا المدير حقيرا؟ ما فهمت «وش تقصد»؟ لا عليك.. أظن تفكيري مشوشا، ولم أعد أفهم أن التزوير ليس قضية، وأن القضية هي أن تكتشف التزوير، والحقارة ألا تعاقب من اكتشف هذا التزوير ولو بلعنه هو وأسرته. [email protected]