منذ ثلاثين عاما دخل المليونير الأمريكي «روكلفر» أحد محال الملابس الفخمة، وبعد الشراء قام بإعطاء البائع خمسة دولارات إكرامية فقال البائع لروكلفر ابنك الشهر الماضي منحني مائة دولار دون أن يشتري شيئا، فقال روكلفر ضاحكا ابني أبوه مليونير لكن أبي مات وهو يمسح الأحذية على الرصيف وقال «دونالد ترامب» المليونير الأمريكي في مقابلة لو سقط مني ألف دولار لا أستطيع أن أنحني وأجمعها من الأرض؛ لأن انحنائي قد يضيع علي أضعاف هذا المبلغ فوقتي من ذهب، وأضاف أعاني من ثرائي وشح وقتي معاناة شديدة .. والمليونير اليوناني الأسطورة «أونايسس» قال «يظن الفقراء أن الأموال الطائلة سبب السعادة الغامرة هم يظنون ذلك لأنهم فقراء بينما نظن نحن الأغنياء عكس ذلك تماما لأننا بالفعل أغنياء»، وآخر أيام أونايسس يقال أنه رصد مبلغا كبيرا من المال لكثير من معارفه بشرط أن يفصح له أحدهم عن سر السعادة وظلت جموع الأصدقاء تأتي لمنزله يأكلون ويشربون ولم يقل أحد ل«أونايسس» ماهي السعادة ولا ماهو سرها ولا من أين تأتي وقتها قال جملته الشهيرة (السعادة ضحكت على أموالي وأخذت بعضها ولم تظهر) وقال «السعادة تحب المال لكنها لاتأتي به أبدا» كنت استحضر كل ذلك وأنا أقراء في مجلد صغير نشره (( فيليب دلرم )) أستاذ اللغة الفرنسية في مدرسة صغيره في النورماندي .. نصوص مختصرة جدا عما أسماه «ملذات صغيرة» تمت ترجمته إلى 30 لغة، يقول (( دلرم)) في مجلده «إن أشخاصا كثيرين باستطاعتهم الحصول على الترف لكنهم لايستمدون سعادة كبيرة منه» وخلصت من المجلد ولم أخلص لشيء !! الأمر الذي جعلني أتساءل عن أجمل المتع التي يمكن أن يشعر بها الإنسان كنت دائماً مؤرقاً بالبحث عن اللذة التي تفوق جميع اللذات .. ترى ماهو الشيء الذي يمكن أن يتذوقه الإنسان على الأرض ليشعر حقا أنه (( إنسان )) هكذا كنت أتساءل أهي متعة الفلوس والثراء؟ أهي لذة الحب؟ أهي متعة العمل؟ أهي لذة الشهرة؟ أهي متعة الطعام والشراب؟ أهي لذة السفر؟ أهي متعة تقدير واحترام الناس؟ أم تكون متعة ولذة ممارسة الرياضة؟ أو ربما تكون متعة امتلاك القوة ولذة استخدام النفوذ؟ أم متعة دوام الصحة ولذة دوام الستر؟ ومكثت في ذلك التوهان كثيرا حتى توصلت إلى ما أنا فيه الآن وهو أن أنهض كأي حمامة كأنني أدفع شموس الياسمين لتمارس ضوءها قبل موعد التفتح، أصحو على الصباح دون توقيت القمر لامكرفون يزعق يحفزني على آداء الصلاة التي هي خير من النوم أنهض من السرير بكامل جسدي أتواق للخروج مباشرة .. أغتسل وأتجه إلى غرفة حفيدي «آدم» أشتم عطره أطبع على جبينه أطيب القبلات ثم أستقل سيارتي متجها لمسجد في جنوب ((كانسس ستي)) أهرع بكثافة مدينة من العشاق أستمع في عربتي إلى صوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد رحمه الله .. الاستماع إلى القرآن في البيت أو السيارة متعة تتضاعف مع الأصوات الجميلة للمقرئين العظماء .. أصوات تتجمل بتلاوة القرآن وتبعث في المستمع نعمة التدبر في آيات كتاب الله والإعجاب بما وهبه سبحانه لأصحاب هذه الأصوات من حلاوة في الحس واتساع في أفق الصوت وامتداد في مداه .. أوقف العربة وأسير أتبع ظلي متجها للمسجد ألتفت للأشجار العارية المنتصبة أمام المسجد واستحضر قدرة الخالق على إحياء هذه الأشجار بعد جفافها وأدعوا لكل من جفت مشاعره أن تخضر كما يخضر خالق الناس والنبات والحجر أوارق هذه الأشجار .. أقف خلف بلال أمام المسجد بملابسه البسيطة ومنظره الذي يحفزك على الحياة؛ إنه يشدك للحياة كما لو كنت تعيشها ليوم واحد فقد تيقنت في هذه المرحلة من حياتي أن عمر الأشياء الجميلة قليل وأن الزهور الأخاذة للعيون تذبل بعد قليل هذه الرحلة اليومية هي مذاقي الثري.. هي أسعد أوقات نهاري ففيها أطير من قفصي الأرضي وأحلق في أجواء عالم آخر خالد.. تحرك في داخلي مناطق قد أفسدت وآخرى إنطفاءت .. أنا لا أخبر هنا شعورا بما تسمح به لياقة الأوراق إنما أرفع صوتي بما أشعر به والذي ذاق حلاوة ما أشعر به يدرك معنى ما أبوح به عموما لم أخرج عن مضمون عنوان المقال حين أستطرد قلمي في الحديث ولا أعتقد أنني قد أبتعدت فيما كتبت عن الموضوع فالسطور السابقة ما هي إلا تداعيات لمذاق ما تحمله النفس حين يفتح الله عليها بفيض الاطمئنان. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 134 مسافة ثم الرسالة