نعم .. للثقافة وجه آخر، وجه يحمل كل المزايا والأخلاق والتربية الإلهية الكريمة التي من الله علينا بها، ومن على عقولنا بالتميز في قراءتها. إن من يبحر في المياه الراكدة للوصول لمعنى تلك الكلمة بين المعاجم يجد أنها مشتقة من كلمة لاتينية تعني (يزرع الأرض). ياله من تفسير يوضح ما أريد أن أكتب، وأبلغ من أي كلمات يمكن للمرء أن يدافع بها عن الثقافة، لقد أشمل وأوفى هذا المعنى بكل ما يحمله من قيم، وأخجلنا أمام أنفسنا لعدم التيقن بأنه صاحب الخروج من النفق المظلم لعقولنا. معنى يكاد ينطق بكل اللغات ليغرس في عقولنا الثقة بالنفس والثقة بثقافاتنا، يلزم النفس بالتفوق في كل نواحي الحياة، ولا يتوقف أبدا عن الاجتهاد في الحصول عليها. إن ما تشهده ثقافتنا العريقة وعلمنا بها هذه الأيام يسيطر عليه تشوه ثقافي ناتج عن كثرة المعلومات ومصادرها التي أصبحت تأتينا من كل زاوية في حياتنا، وفي كل صباح ومع كل حركة لأجسادنا، وأصبح العالم بأسره والعقول جميعها أسيرة تلك الثقافات والمعلومات المشوهة والمشوشة دون التأني في مصدرها الحقيقي الذي قد يكون بريئا من تلك المعلومة الخاطئة، لقد فقدنا الثقة بكل ما تقرأه أعيننا وتناسينا أن فقدان القدرة أو ضياع الفرصة لن يعوقنا، بل فقداننا الثقة بالنفس هو الذي يعوقنا ويعوق تقدم ثقافاتنا، ولعل عدم معرفتنا بتفسير هذه الكلمة الرنانة التي تحمل بين حروفها أسمى الكلمات هو السبب الرئيس في التخلي عن ذلك الوجه الحقيقي المثمر، والوقوع فريسة لهذا الوجه المشوه. هو التذوق المتميز للفنون الجميلة والعلوم الإنسانية، الثقافة عالية المستوى، النمط المتكامل من المعرفة البشرية، والاعتقاد والسلوك الذي يعتمد على القدرة على التفكير الرمزي والتعلم الاجتماعي دون أن نتجاهل إنها تحمل بين سطورها الذهبية مجموعة من الاتجاهات المشتركة والقيم والأهداف والممارسات التي تميز الإنسان وتجعله ذا قيمة ثقافية. دعونا نعترف بأننا نعاني من تشوه ثقافي ناتج من أناس خلقوا ليختلفوا فقط، أناس يرمون بشوائبهم في بئر ثقافتنا وهم لا يدركون أنهم قد يشربون منه يوما، وأن ما تشهده العقول الناشئة والتي ما زالت تتلمس طريقها إلى النجاح تعاني بشكل مباشر من ذلك التشوه، وعدم المصداقية في الطرح والتحليل والنتائج لكثير من ثقافاتنا وآرائنا النيرة، مما يجعلها حبيسة داخل نفسها مقيدة بسلاسل فكرية خاطئة، ومحكوما عليها بالمثول أمام ضمائرها، وهي لا تعلم كيف تدافع عن نفسها. لقد حان الوقت أن نقف بجانب هذه العقول الشابة، وأن نصحح لهم مفهوم الثقافة والغرض من التكيف مع معلوماتها النيرة الصحية والصحيحة، ونؤكد لهم على أن أول خطوات الانتصار هي المحاولة، وأن نعينه على أن يعيش حياته بكل الطرق التي تجعله يكتسب ويحتفظ باحترام وتقدير الناس، وأن نجعل من تبادل الثقافات وجها آخر يحمل قيم بلادنا وقيمنا العربية المليئة بالطموحات والفكر المستنير. لعلهم يؤمنون يوما بأن الحياة مليئة بالحجارة وعليهم جمعها وجعلها سلما يصعدون به إلى النجاح لا للتعثر فيها. محمد دهشان يونس