القلم له حقل واسع في مخيلة المفكرين والفلاسفة نظرا لارتباطه الوثيق بالجمال ، ولذلك ما جاءت به الحضارة الإنسانية من إبداعات خلاقة إلى يومنا هذا تعود إلى العمل الدائب والمستمر الذي مارسه الإنسان منذ وجوده على الكرة الأرضية ، فكل ما أنتجه هو مطلب ، وكل ما حصل عليه من قيم حضارية ومكتشفات هو حق أكسبتهَ البشرية له ، ولولا القلم وكثرة التفكير والإبداع والكتابة لما استطاع أن يصل إلى هذا المستوى الحضاري الذي وصل إليه في عصرنا الحاضر . فمنذ نعومة عقولنا ونحن نؤمن أن أي حقيقة تواجهنا ليست لها نفس الأهمية كأهمية تصرفنا تجاهها ، لأن تصرفنا تجاه المشكلة هو الذي يحدد نجاحنا أو فشلنا ، ومنذ زمن ليس ببعيد كان كل منا يستخدم عقله للتفكير وقلمه للكتابة وورقته لحفظ ما يفكر به ويسطره قلمه ، ولكن عندما اتخذنا قرار حياة التقنية الحديثة ونحن نقَصِي القلم من حياتنا ولا نفكر في استخدامه وتفعيل دوره الايجابي الذي تعودنا عليه في الماضي . نعم انه الماضي الذي مهما حاولنا التخلي عنه في ثقافتنا ، لم ولن نستطيع أن ندرك قيمته ، فالنجاح الحقيقي هو استثمار فرص الماضي ، وإخضاعها لعقول الحاضر للسيطرة على عقول أبنائنا في المستقبل ، وحق عليك الا يخدعك عقلك الباطن بان ما يمر العالم به من تطور تقني سريع ومذهل ، وطمس حقيقي من وجهة نظرك للقلم والورقة في حياتنا ما هي إلا أوهام تسيطر على عقولنا نحن فقط ، فقد يلوم الناس ظروفهم على ما هم فيه من حال ، ولكني لا أؤمن بالظروف ، فالناجحون في هذه الدنيا أناس بحثوا عن الظروف التي يريدونها ، فإذا لم يجدوها وضعوها بأنفسهم ، فنحن من نجحنا في طمس القلم ، وجعله من تراثنا القديم ، الذي عندما نراه نتذكر الماضي بكل تفاصيله وتناسينا انه الماضي والحاضر والمستقبل. ليس مربحا لعقلك ولا مربحا لمستقبل أبنائك أن تتخلى عن كيفية امتلاكك للقلم شكلا وموضوعا ، من حقك أن تحلم بالنجوم ، ولكن في نفس الوقت يجب ألا تنسي أن قدميك على الأرض ، فإذا كانت التقنية التي جعلتك تطمس القلم والورقة هي النجوم ، فالقلم هو من جعل قدميك تخطوان نحو تحقيق النجاح ، ولتتذكر دائما أن مستوى استخدامك للقلم يحدد تفكيرك ، فالعقول العظيمة تناقش الأفكار والعقول المتوسطة تناقش المشاكل ، والعقول الصغيرة تناقش الآخرين ، فليكن دائما ذهنك وعقلك في حاجة للقلم لكي يجعلك دائما في مقدمة العقول التي تناقش الأفكار، فمن المخجل التعثر مرتين بالحجر نفسه ، ومن المخجل ان نصف الأمي بالجهل ونترك صاحب العلم الذي تعلم الأمية على كِبر ينعم بلقب صاحب العلم ، فلنسأل أنفسنا من هو الأمي حقا... لا تعليق!! ، لقد استحق أرسطو أن نرفع له القبعة عندما تحدث عن الإنسان وقال إن المرء هو أصل كل ما يفعل- فإذا تخليت عن القراءة فأنت أصل ذلك ، وإذا تخليت عن الكتابة فأنت أصل ذلك ، وإذا تخليت عن التفكير فأنت أصل ذلك ، فلتأخذ من وقتك ثواني قليلة ولتسأل نفسك بعقلانية وحذر دون التلاعب بمصداقية عقلك ، ماذا لو تخلي الإنسان عن القراءة والكتابة والتفكير ؟ .. وقتها ستكون ثيابه التي تلامس جسده هي أثمن ما يمتلك في حياته . ووقتها سنعلن جميعا الحداد الأبدي على القلم ولا عزاء للأوراق المتناثرة . محمد دهشان يونس - جدة