هل ترون بالإمكان الأجابة على هذا السؤال؟ هل من الميسور أن نعرف حقيقة المشاعر التي في صدورنا تجاه شخص ما أو شيء ما، فنعرف إن كانت صادقة أو وهمية؟ الحب حالة معنوية، مثله مثل الجمال والسعادة والحرية وغيرها من المعاني، يغلفه الغموض ويشوبه الإبهام، فيحار الناس أمام فهمه ويشق عليهم معرفة حقيقته. كلما فكرت في معنى الحب الصادق، يتبادر إلى ذهني صورة حب الأمهات لأولادهن، فأنا أجد أصدق الحب حب الأم للولد، فالأم مستعدة أن تبذل الروح والهناءة وكل لذائذ الحياة ومتعها، من أجل أن لا يصاب الولد بسوء أو يناله ضر. فهل يصلح حب الأمهات أن يكون هو المعيار الذي يقاس به صدق كل حب آخر؟ كنت أقرأ في بعض المجموعات الشعرية، فلفت نظري اختلاف الشعراء في إثبات صدق حبهم لحبيباتهم، كل واحد منهم رأى في صدق الحب معنى مختلفا. فالعباس بن الأحنف عنده أن الحب الصادق هو الحب الخالد الذي لا يبلى ولا يفنى مهما مرت عليه السنون أو نأى به المكان: (أغيب عنك بود لا يغيره .. نأي المكان ولا صرف من الزمن). وتوبة الحميري، رأى أن الحب الصادق يعني أن تلازم صورة الحبيب فكر المحب فلا تغادره لحظة: (أآخر شيء أنت في كل هجعة .. وأول شيء أنت عند هبوبي)! وكثير عزة، رأى صدق الحب يتجسد في استحالة نسيان الحبيب، مهما اجتهد المحب في إبعاد الحبيب عن ذاكرته، وتخيل حركاته وهمساته فإنه لا يستطيع: (أريد لأنسى ذكرها فكأنما .. تمثل لي ليلى بكل سبيل). زكي مبارك في كتابه (مدامع العشاق) يرى أن صدق الحب يقاس بدرجة البذل والعطاء من المحب للحبيب، لذلك هو يصف جميل بثينة بصدق الحب، لأنه وجده يقدم للحبيبة (دمه وماله) وهما في رأيه أعلى درجات البذل، فلا شيء يعلو على أن «يهب المحب لمحبوبه دمه وماله» كما فعل جميل: فلو أرسلت يوما بثينة تبتغي، يميني، ولو عزت علي يميني لأعطيتها ما جاء يبغي رسولها، وقلت لها بعد اليمين سليني سليني، مالي يا بثن فإنما، يبين عند المال، كل ضنين في كتاب (الزهرة) لابن داود ينتقد ابن داود البحتري لأنه جعل دليل صدق حبه يتمثل في تغير مشاعره تجاه الحبيب ما بين الرضا مرة والسخط أخرى: (أغتدي راضيا وقد بت غضبان .. وأمسي مولى وأصبح عبدا). ففي رأي ابن داود أن تغير مشاعر المحب في هواه من الرضا إلى السخط أو العكس هي (حال خسيسة)، «فالمحب الصادق إذا غضب إنما يغضب ظاهره، وقلبه مقيم أبدا على حبه».. اختلفت الآراء حول معنى الصدق في الحب، لكني أظن أن الحب الصادق يتضمن القدرة على العطاء بلا حدود، بلا مقابل، وبلا شروط، لذلك مازلت أظن أن حب الأمهات هو أصدق أنواع الحب، فالأم هي الوحيدة القادرة على فعل ذلك. فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة