من المؤلم مشاهدة بيوت جدة التاريخية التي لا يمكن تعويضها تحترق واحدا تلو الآخر. هذه البيوت يصل عمر بعضها إلى مئات السنين، وقد شهدت عصورا ذهبية مختلفة لهذه المدينة العريقة ولا زالت تحتفظ بالكثير من عبق التاريخ. هذه البيوت ترسم تاريخ جدة. وباحتراقها تخسر جدة تاريخها. منذ إعلان منطقة «البلد» منطقة تاريخية تستحق الحماية قبل حوالي ثلاثين عاما، كنا نأمل أن تقوم أمانة جدة بالتعاون مع غيرها من الجهات الحكومية، ومؤخرا الهيئة العليا للآثار، بفرض الإجراءات البديهية لحماية هذه المنطقة وإحيائها. أول هذه الإجراءات هو منع الاستعمالات التي تهدد المباني بالحريق أو التلف. الذي حدث هو العكس تماما. تركت الأمانة أصحاب المباني الذين نزحوا إلى الأحياء الجديدة يؤجرون مبانيهم التاريخية للعمالة الوافدة بأسعار زهيدة. أدى هذا بالطبع إلى تكدس السكان في هذه المباني وتحويرها لتتكيف مع متطلبات معيشتهم بالطرق الخطرة الموضحة أعلاه والتي انتهت بها إلى الاشتعال. لماذا لم تقم الأمانة باستئجار بعض هذه المباني واستثمارها في الاستعمالات السياحية المناسبة، مثل: المتاحف ومتاجر بيع المنتجات التراثية والفنية وغيرها؟ لماذ لم تنزع ملكيتها تدريجيا لمنع الاستخدامات الجائرة لها؟ لن نقبل حججا واهية عن هذا التقصير الفادح مثل نقص الإمكانيات. فلو قامت الأمانة بنزع ملكية خمسة إلى عشرة بيوت فقط سنويا لحافظت على المدينة التاريخية من الدمار الذي لحق بها. ولو قادت عجلة الاستثمار في هذه المنطقة بالصورة الصحيحة التي نراها في كثير من المناطق الأثرية في العالم، لحققت هي وملاك البيوت الأصليين أرباحا خيالية من ورائها. ولو تم ربط منطقة البلد ببحيرة جدة التاريخية وحماية تلك البحيرة من التلوث، لضاهت منطقة البلد في جدة أحلى المناطق التراثية السياحية في العالم. لم يكن مطلوبا من الأمانة بمفردها أن تقوم بكامل العملية الاستثمارية لإحياء منطقة البلد وتوجيهها نحو الاستثمار السياحي الصحيح، ولكن فقط أن تقوم بقيادة هذه العملية وتوجيهها ثم يقوم القطاع الخاص بإكمال الباقي. ولكن شيئا من ذلك لم يحدث. أمانة جدة للأسف الشديد ضيعت فرصتها في الحفاظ على منطقة أثرية عالمية من الدرجة الأولى وتطويرها. وليس ذلك غريبا عليها، فهي في ذات الوقت ضيعت أجزاء كبيرة من واجهة مدينتها البحرية بما سمحت به من احتكار وسوء استغلال لهذه الواجهة وضيعت ساحلها البديع بمائه النقي ورماله الناعمة وكنوزه الفريدة من شعاب مرجانية وكائنات بحرية، بما ألقت فيه من صرف صحي وصناعي. وضيعت كثيرا من حدائقها بالاستحواذ ووضع اليد، ولم تنشئ منتزهات كبيرة معتبرة كما فعلت غيرها من المدن، بل اكتفت بالحدائق المبعثرة وسط الطرق. حتى ما قامت الأمانة بإنشائه من مجسمات فنية تعود لتزيله، وما أنشأته من بحيرات جمالية على الكورنيش عادت فردمته. وهكذا تظهر أمانة جدة وكأنها تسير دون بوصلة تقودها في الاتجاه الصحيح. وربما لا يقع اللوم على الأمانة وحدها، بل يشاركها جهات حكومية وخاصة وأفراد كثيرون، كثير من هؤلاء كان همه الوحيد تحقيق فائدته الشخصية على حساب المدينة التي أعطت الكثير ولم تتلق إلا القليل. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 133 مسافة ثم الرسالة