الجلوس إلى شاب يسمي نفسه (عاطل) والاستماع إلى تفاصيل يومه ترغبك في نتف شعر رأسك. تتوقع وأنت تستمع إليه أن ثمة معارك يخوضها كل يوم لأجل الوظيفة فيما الحقيقة أن غزواته اليومية ومنذ سنوات لا تتعدى مكتبا ومكتبين يزورها تطييبا للخاطر. وفوقها يسرد قائمة اشتراطاته براتب لا يتناسب وشهادته البالية، ومعها يخبر صاحب العمل الخاص بأنه سيغادره عند أول بادرة لعمل في جهاز بالدولة وإن كان أقل راتبا. وسيفعلها حتى وإن تكلفت شركته بتدريبه لسنوات. ومع كل هذا (الدلع) يمضي في التشكي والسخط من ندرة الوظائف ومحاربة القطاع الخاص له، ويطلب فوقها بدلا ماليا لجلوسه في البيت. أتريدون مثلاً لذلك؟ تفضلوا: يحكي لي منسق تدريب وتوظيف بقطاع تدريب حكومي عن معاناته مع خريجي قطاعه وهو يحاول إقناعهم بقبول وظائف برواتب مغرية تتناسب وشهاداتهم. يرفضون الوظائف لأنها تبعد مسافة ساعة واحدة عن منازلهم، ولا أعرف أين يريدونها تحديدا. فيما البقية يتعززون بأنفسهم عنها بحجة انتظارهم لوظائف حكومية كانوا قد وعدوا بها منذ سنوات، وسينتظرونها ولو توفرت لهم في القطاع الخاص وظائف بمميزات أفضل. هؤلاء بدلعهم وشروطهم هم من يدفع بالقطاع الخاص دفعا إلى رفض من يجيء بعدهم، ويدفعون ببعض المؤسسات الخاصة إلى القبول بالأجنبي على حساب السعودي. صدقوني، بإمكاني اليوم أن أتخذ في مقالي مسلك العاطفة وأكرر ذات اللغة التقليدية في المطالبة بوظائف للشباب، وأستعرض حالات بؤس وشقاء لبعضهم، وأكملها باستجداء للجهات المسؤولة في الدولة بالتحرك سريعا لحل ذلك، ولكني لن أفعل. أتدرون لماذا؟ لأننا على هذه اللغة منذ سنوات طويلة ولم تنجح.. ولن تنجح. ولأن الشاب صار يتحمل الجزء الأكبر من صناعة البطالة، فنموذج شاب براتب 4 آلاف في قطاع خاص، صادفته (صباحا) يعمل كدادا في شوارع جدة، هاربا من مكتبه بحجة أن نصف راتبه صار قرضا ويبحث عن مصدر آخر، فهذا يكفي كذريعة مقنعة لفصله من عمله ورفض من يأتي بعده. ونموذج الشاب الذي تغريه الشركة براتب وتدريب وسكن وعلاوة ووعد بمنصب ثم يرفضها بحجة مقرها البعيد وفكرة المستقبل غير المضمون، أو يقبل بها ثم يغادرها إذا لاحت في الأفق وظيفة حكومية فتلك ذريعة تجعلها (وغيرها) طاردة لكل سعودي وإن كان مؤهلا. لنكن منصفين فبعض الشباب (المدلعين) شوهوا صورة العاطل عند أصحاب القطاع الخاص. أتدرون فيمن المشكلة: في ثقافة العمل والوظيفة التي ورثناها عن آبائنا عن آبائهم حين يقولون لا أمان إلا في وظيفة الحكومة وإن جاءتك وظيفة خاصة بضعف راتبها، وحين يغسل هذا القانون من الأدمغة ستعالج المشكلة. نحن نعيش أزمة ثقة بين القطاع الخاص والعاطل ولدت بطالة مقنعة. وبعد غد سأكمل نصف الحديث الآخر. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 245 مسافة ثم الرسالة