الحديث هنا عن منبر الجمعة الذي شرعه الشارع الحكيم، وحيث أن أهم ميزات المنبر هي الخطبة، فلنبدأ أولا بمعرفة بعض حكم التشريع من الخطبة، فمن هذه الحكم، وهي كثيرة: إيصال الخير للناس وتبليغ دين الله وإقامة الحجة على الناس لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل. ومنها: أنها بالنسبة للداعية صقل لمواهبه وسلاح قوي يحقق من خلاله أهدافه النبيلة، ومنها: أن المنبر يسعى لفك الأزمات التي ربما وقف البعض أمامها حائرا لا يدري أين الحق فيتبعه، وأين الباطل فيجتنبه، ومنها: معالجة أهم ما يكون في الأسبوع الماضي أو المستقبل القريب من القضايا والمناسبات والحوادث وبيان الأحكام الشرعية المتعلقة بها، ومنها: أن الكلمة بالمكانة التي هي فيها، فتصلح النفوس المتنافرة بالكلمة، وهي الصوت للمظلوم، وتزع إلى فعل الخير وتردع عن الشر، وترفع علم الحق وتهزم الباطل، وتلملم الشتات والشعث، وهي القوة التي تثير الجموع نحو المشروع، ومنها أي من الحكم: أن صوت المنبر هو الذي دون إسكاته خرط القتاد فمهما عمل الأعداء على منع الدعاة والمصلحين من إلقاء الدروس والمحاضرات والندوات وغيرها إلا أن خطبة الجمعة تفي بالغرض وزيادة إذا تحققت شروطها وانتفت موانعها، وأنى لهم سبيل لمنعها، ومن الحكم: أنها متنفس للشعوب تجد فيه ما يسير العواطف نحو الأفضل ويحاكي مكامن النفوس التي تتوقد وتتطلع إلى إحقاق الحق وإبطال الباطل وتسكين الفتن وإذكاء روح المودة، ومنها: أنها ذكر الله الذي ألزم العباد بالسعي إليه ولم يلزم بحضور ذكر غيره حيث سماها بذلك وأمر، فقال سبحانه: (...فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع...)، ومنها: ربط الناس بالعلم، ولعله لا يسوغ لأحد أن يهجر العلم والتعلم أكثر من سبعة أيام بدليل المفهوم من مشروعية حضور الذكر ليوم الجمعة، ولذلك جاء في الحديث أنه من ترك ثلاث جمع ختم الله على قلبه، وهذا بغير سبب مشروع، وفيها من الحكم الشيء الكثير ولو لم يكن فيها إلا أنها من سنة سيد المرسلين لكفى، والله جل وعلا يقول: (ولكم في رسول الله أسوة حسنة). [email protected]