(إن الرجل ليكتب جبارا وليس عنده إلا أهل بيته) ابن حبان والطبراني وأحمد. حديث نبوي يجهله الذين يحسبون أن من حقهم التجبر والاستبداد بأهل بيتهم، ولا يعرفون أن تجبرهم على أهلهم يجعلهم يحشرون في زمرة جبابرة وطغاة الأرض من فرعون وأشباهه، فالإنسان ليس ممتحنا في الدنيا بالكم إنما بالنوعية، والاستبداد والتجبر ليس حقا لأحد على أحد، ولهذا قال تعالى في صفات المؤمنين (وأمرهم شورى بينهم) وقرن صفة الشورى بأركان الإسلام، فعدم الشورى حتى على مستوى العلاقات العائلية تعطيل لسنة الله في حرية الإرادة والاختيار لكل فرد في العائلة والتي هي محل التكليف، ولو وعى الجميع هذه الحقيقة لوفر هذا الكثير من المآسي التي تتوزع بين القضاء والإصلاحيات والسجون والعيادات النفسية، فجذرها غالبا تجبر رب الأسرة. فواجب رب الأسرة ليس فقط توفير المال، إنما تهيئة أفراد أصحاء نفسيا ويتمتعون بمنظور صحي للعلاقات الإنسانية والعالم، لكن هناك من لا يبالون بكم يتسببون في لوعات ودموع لأهلهم وكما لو أن الدموع ماء لا معنى له. في الأثر قصة المرأة وولدها التي تصدق عليها الرجل برغيف فبكت من تأثرها فلما مات وجد دموع المرأة أثقل شيء في ميزان حسناته، وفي الأسية..الدموع..دماء الروح..كالدماء الحمراء تجسد حصول تجاوز على الآخرين، وضرر العنف المعنوي لا يقل عن المادي، ونظرية «اليوم يزعل وغدا يرضى» باطلة، فالصدمة الواحدة تترك ضررا نفسيا دائما وتحفز أمراضا جسدية خطيرة وتحطم للأبد رابطة الثقة والأمان النفسي، وفي القرآن قرن التجبر بالخيبة والغفلة ومضادة الإصلاح. والسلامة من التجبر بالكمال الإيماني؛ (ولم يكن جبارا عصيا). (ولم يجعلني جبارا شقيا). (إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين). (وخاب كل جبار عنيد). (كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار). ومبدأ معاملة الله للناس؛ الجزاء من جنس العمل، الراحمون يرحمهم الله، من سر مسلما سره الله..قال تعالى: (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم) فالذي يتجبر على الآخرين ثم يرفع يديه بالدعاء بطلب الرحمة، ليعلم أن الله يعامله كما يعامل الآخرين، فالله لا تناله المظاهر المادية للشعائر إنما حقيقتها في قلب الإنسان وأثرها على سلوكه، فالذي لا يأبه لمشاعر الآخرين لن يأبه الله بمشاعره، وماذا يكون قد استفاد المتجبر إن كان إرثه لأهله ذاكرة من الصدمات والألم والبغض وخيبات الأمل والقدوة السيئة ونفسيات مكتئبة ماتت فيها طاقة وحيوية الحياة؟! هل سيرغبون في الترحم عليه وإهدائه الصالحات بعد وفاته؟ هل سيحبون لقاءه في الآخرة ويكون من حبهم له أن الله يرفعه للدرجة الأعلى التي لبعض أهل بيته؟ شتان بين هذا وبين الذي إرثه ذاكرة من الحب والحنان والجمال الأخلاقي. قال السلف: من كرامة الإنسان على الله أن يجعله سعادة لخلقه، ومن هوان الإنسان عند الله أن يجعله تعاسة لخلقه، فبماذا يفخر ويفرح المتجبر بعد هذا؟! [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 217 مسافة ثم الرسالة