يقول ابن خلدون في مقدمته، «من كان مرباه بالعسف والقهر (...) سطا به القهر (...) وحمله على الكذب والخبث، وهو التظاهر بغير ما في ضميره خوفا من انبساط الأيدي إليه بالقهر». ابن خلدون من علماء القرن الثامن للهجرة، أي أنه عاش قبل أن (تولد) التربية الحديثة، لكنه استطاع أن يدرك ببصيرته وملاحظته ما يحدث من تدمير لشخصية الفرد متى اتبعت في تربيته سياسة القهر. لذلك هو يحذر من اتباع ذلك الأسلوب التربوي مبينا ما يحدثه من أضرار نفسية تنعكس على سلوك الولد أو الطالب. في عصر ابن خلدون لم يكن الناس يعرفون سوى نوع واحد من التربية وهو ما نسميه الآن التربية التقليدية، وهي تربية ترى أن استقامة السلوك والفضيلة واكتساب المعارف لا تتحقق إلا بالشدة واستخدام القهر متى تطلب الأمر ذلك، فيفرض الرأي على الأولاد أو الطلاب حتى وإن لم يعجبهم، ويجبرون على فعل ما يرى الكبار فيه مصلحة لهم، حتى وإن لم يرغبوا فيه. وقد ظلت التربية التقليدية مسيطرة على الساحة بلا منافس حتى أواخر عصر النهضة، عندما أخذت تباشير التربية التقدمية أو (الحديثة) كما يسميها البعض، تلقي ظلالها على المشهد التربوي، ففقدت التربية التقليدية تفردها وسيادتها على الموقف، وبات لزاما عليها أن تخوض حربا تنافسية مع التربية التقدمية التي جاءت مضادة لها فيما تدعيه. إلا أن هذا لا يعني أن التربية التقدمية اكتسحت التربية التقليدية أو حصرتها في ركن ناء، بل ظلت تلك التربية مدعومة ثابتة بفضل الدفاع المستميت عنها على يد أتباعها التقليديين، الذين ما فتئوا يهاجمون التربية التقدمية وينكرونها ويستهجنون المتبنين لها والمدافعين عنها، منذ أن بزغت تباشيرها في القرن الثامن عشر الميلادي وإلى يومنا هذا، فالتربية التقدمية جاءت لتهز قيما عتيدة نشأ عليها الناس وتشربوها عبر قرون طويلة، وقلبت مفاهيم راسخة محفورة في أفكار الأغلبية حول معنى العلاقة بين الآباء والأبناء، والمعلمين والطلاب. فلا غرابة إن هي قوبلت بالاستهجان والاستنكار لما تدعو إليه، ومع ذلك، ظلت التربية التقدمية صامدة توطد أقدامها في السير حتى وصلت ديارنا وأخذت تفرض نفسها علينا منافسة للتربية التقليدية السائدة، فاشتعلت نار الإنكار لها هنا، كما اشتعلت هناك. ويوم الثلاثاء الماضي، استهجن الأستاذ عيسى الحليان كلام بعض المؤيدات للتربية الحديثة، وقبله كتب الأستاذ عبده خال يهاجم التربية الحديثة التي تحظر ضرب الطلاب في المدارس، وهناك غيرهما كثير ممن يشعرون بالعداء للتربية التقدمية. في الغد نكمل الحديث إن شاء الله. فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة