بقيت فكرة البعوث التعليمية أحد روافد التنمية البشرية منذ تأسيس المملكة في أوائل القرن الماضي، وجنى المجتمع الكثير من عوائد هذا الاستثمار في الموارد البشرية، واستمرت سياسة الابتعاث في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، يحفظه الله، حيث توسع الابتعاث إلى الدول المتقدمة -شرقا وغربا- بهدف النهوض بالمستوى العلمي الوطني من جانب، وتنويع مصادر المعرفة العلمية، كما تم التركيز على العلوم التطبيقية لكونها حاجة ملحة للتنمية. بعد هذا التقديم، سوف أعرض الجانب الاجتماعي للابتعاث، وتأثير المبتعث المستنير بعد تخرجه بمحيطه الأسري والقبلي والعشائري، وأقصد التأثير الواعي بتطعيم المجتمع بتفتح في ثقافة المجتمع بما حمله المبتعث من قيم عن الانضباط، والتعامل الواعي، والخروج من الأفق الضيق التقليدي، لمجتمعه الصغير في الأرياف والقرى، وتقديمه مفاتيح الوعي المؤثر في التقاليد الجامدة. المبتعث الذي يعود من البعثة، وقد تفتح عقله للتنوع، وتعلم أساليب التعامل مع الآخر في النطاق العام، وفهم أن الآخر لديه قواعد أخلاقية تحكم سلوكه مثلما لدينا قواعد أخلاقية تحكم سلوكنا، وأنه مثلما نحافظ على ديننا، ومعتقداتنا؛ فالآخر المختلف لا يمكن تغيير قناعاته إلا بالتفاهم، والتسامح، والتعامل بالحسنى، وإعطاء نموذج المسلم الصحيح. هذا التأثير المرغوب يجدد بركة الركود التقليدي، وبعض الفكر المحلي وقد رأيت الإنغلاق في أسوأ صوره عندما اعتبرني رجل من الأرياف أنا وزملائي أجانب غرباء عن قريته، وتمنى أن يحل أبناء قريته محلنا في العمل مع أن مدينتنا لا تبعد عن قريته إلا سبعة كيلومترات، وما زالت مثل هذه التصورات عن الغريب موجودة في المجتمع البعيد المنغلق الذي لم يختلط بغيره؛ سواء في بلادنا، أو في غيرها، ولكن تحريك الفكر الراكد بالمتعلمين، والمتنورين من نفس المجتمع القروي يغير الصورة لهؤلاء المنغلقين، فهم أبناء من البيت نفسه وليسوا غرباء مهما أتوا بسلوك جديد. وفي كل الأحوال، فإن قبول الآخر في حياة المجتمع الضيق يستلزم نماذج من نفس المجتمع المنغلق المتشكل الساكن، الذي أسس قيما، وتقاليد تعطيه مفهوما ضيقا بأن أي إنسان خارج منظومته هو غريب يصعب قبوله، وتعشيق هذا المجتمع بنماذج من الوعي بالمتعثين الذين يعودون من البعثات سيكون له أكبر الأثر في خلق ما يعرف بالتفتح السمح، والقبول لكل ما هو خير وحق من أي إنسان. ليس هذا الجانب الاجتماعي للتحضير هو كل ما يعود به المبتعث في حقيبته بعد غربة تطول أو تقصر، فمع الجانب العلمي الذي ذكرناه يتوقع من المبتعثين خلق مجتمع علمي في كل فرع من فروع المعرفة يوطن العلم التجريبي والتقنية كونه من دم ولحم المجتمع، وأن يعمل في مجالات تحقق الرشح العلمي لما حوله من أفراد ومؤسسات، فالتوسع في الابتعاث سيعود علينا بكل الخير كما كان دائما. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز240 مسافة ثم الرسالة