منذ البداية يعلن «صموئيل شمعون» في روايته «عراقي في باريس»، انحياز بطل قصته المسيحي للملكية في العراق ولزمن الإنجليز قبل تحرر وطنه من الاستعمار. هذا الانحياز لم يكن بسبب «الإيديلوجيا» أو بسبب الخيانة وأنه من الطابور الخامس كوصفة اخترعها «قوميو العالم»، فبطل القصة «شموئيل أو جويي» كان طفلا فقيرا في العهدين، قبل وبعد الملكية والاستعمار، لكنه مع القومية «البعث» كانت حياته أكثر بؤسا وظلما، تجسد هذا الظلم في لبنان أبان الحرب الأهلية في الثمانينات، حين اعتقل وعذب من كل الأطراف، حتى الكتائب عذبته وحققت معه رغم أنه مسيحي، وكانت التهمة «جاسوس». هذا الجاسوس المتشرد، ومنذ أن كان بالعراق وهو يحلم بأن يخرج فيلم «الحنين إلى الزمن الإنجليزي»، لهذا كان هدفه أن يذهب «لهوليود» حتى يخرج السيناريو الذي كتبه عن خباز أخرس «والده». في باريس يعلق هذا العراقي المشرد والحالم بإخراج فيلم عن والده «الأخرس» في شوارع ومحطات باريس، ويتحول لمتشرد يسكن كل شوارع باريس. هذا الصعلوك يكشف علاقة العربي بالعربي في باريس، والقائمة على الكراهية، والعداوات، يكشف أيضا المناضلين العرب التابعين للحكومات العربية، كل مثقف أو إعلامي يشتم دولة عربية هناك دولة أخرى عربية تدفع له. هذا المشهد هو من جعله يؤثر النوم بالمحطات على أن يدخل لعبة «الرداحين العرب»، وعاش حياة مشردة لكنها أنقى من حياة «الرداحين». في الفصل الثاني من الرواية أو السيرة الذاتية «لصموئيل» ينشر سيناريو فلمه، قصة الأب الأخرس والابن «جويي» وتلك الحياة البائسة لعائلة فقيرة تسكن غرفة وتنام في نفس الغرفة، هذه الحياة البائسة والمصورة على أنها «الحنين إلى الزمن الإنجليزي»، تكشف أن ما بعد رحيل الملكية والإنجليز كان أسوأ بالنسبة لهذا المشرد طوال حياته. إن هذه الرواية لا تحمل في طياتها تلك الإيديلوجيا البغيضة، بقدر ما تروي عن إنسان كان فقيرا، لكن حياته كانت محتملة وقابلة للحلم، وبعد أن جاء التغيير كان التغيير للأسوأ، لهذا كان الفقر والأمل حلما وحنينا يود أن يعود، فالواقع بالنسبة له ولأسرته الفقيرة، كان مزيدا من الفقر مزيدا من البؤس مزيدا من العذاب. قد تبدو الرواية أنها تحكي عن العراق، إلا أنه يمكن لأي إنسان من شمال أفريقيا أن يعيد كتابة نفس الرواية ونفس السيناريو فقط يغير الأسماء والأماكن، ليروي قصة رجل أخرج الفرنسيين من بلاده، ثم وبعد حين أصبح كل سكان بلاده يحلمون بالذهاب للعيش في فرنسا، للحفاظ على إنسانيتهم. قد يعتقد القارئ أن الرواية ما هي إلا محاولة غبية لتمجيد أوروبا، مع أن كاتب الرواية لم يقدم حياته وقت الاستعمار على أنها مخملية، فهو كان فقيرا، لكنه قادر على الحلم بحياة أجمل، فيما بعد رحيل الاستعمار كانت حياة بطل القصة بلا أمل ولا مستقبل ولا قيمة للإنسان في ذاك العالم المظلم، الذي تهجو شعوبه الغرب، في نفس الوقت يندهشون ويتندرون على أنفسهم كلما قرأوا حقوقا جديدة لحماية الحيوان في أوروبا. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 127 مسافة ثم الرسالة