نجحت الصحوة الإسلامية في أن تشكل الحاضنة المعنوية للمسلمين في ظل تبعثر التفكير السياسي في العالم الإسلامي بين منظومات غربية وشرقية مختلفة الأنماط، وفي جوانب أخرى ضعف نجاحها أو تأسست معادلة فشل في استيعاب التحولات العالمية المتسارعة وطريقة التعاطي مع متطلباتها، ومن ذلك التأسيس المحدود لمفهوم جهادي ضاق عن استيعابه كوسيلة لتحقيق غاية لا غاية بحد ذاتها تتناسل التغيرات ويبقى هو في بحره الخاص بلا ربان! من إشكاليات المسلم المعاصر تأطيره الجهاد بمفهومه الخاص والاكتفاء به دون النظر إلى تضييع الأمة لحالة الجهاد العام التي تستدعي استنفارا هاما لأقصى الطاقات وبذلا لغاية الجهد في سبيل الله. وفي ظل تنوع وتضاعف عوامل التخلف وارتباط حالة القوة العسكرية بعوامل القوة العلمية، فضلا عن حجم الرسالية التي تملكها الأمة والتي اكتفينا بإضعافها حين قررنا حصر مناطق تطبيقها وحاجتنا لها في حدود أقل من الواجب تاريخيا، في ظل هذا المشهد فإننا مطالبون اليوم بتأسيس انتقالة في وعينا الشرعي وبنائنا الثقافي إلى مفهوم أوسع لدائرة الجهاد تبعا لحاجات الأمة وضروراتها المرحلية والمستقبلية والانتقال من فلسفة بذل الجهد والطاقة للقتال في سبيل الله إلى بذل الجهد والطاقة والمشقة للعمل في سبيل الله بما يحمله هذا المفهوم الواسع من قتال في مواطن الدفاع عن أراضي المسلمين، وجهاد إخواننا في فلسطين نموذج لما ينبغي حفزه وما يحمله هذا المفهوم من معنى عام لإعلاء كلمة الله، والترقي العلمي والمنازلة الحضارية ميدان جهاد عظيم فيه بذل ومشقة وجهد وجهاد، والآلاف الذين تم ضخهم في العالم عبر الابتعاث رصيد علمي إيجابي بإذن الله إن أحسنا توظيفهم وحماية بنائهم القيمي فها هنا تبرز إرادة سياسية ينبغي أن يرافقها حضور ثقافي. أعلنوا الجهاد الصناعي واجعلوها ثقافة عامة تبدأ بقرارات سياسية وترتقي لميدان العلماء والخطب المنبرية وتتحول إلى ميادين الحياة وتتشربها الأجيال فنعيش حالة هم واهتمام بتكسير حواجز التخلف المادي منطلقين من الأرضية الشرعية للمسلمين. أبناء الدعوة بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى تحديد مناطق الحاجة الفعلية للأمة وترتيب أولويات النهضة ومناطق التحدي وإعطاء كل حاجة قدرها وطاقتها المطلوبة من الجهاد الذي تستحق إن كان جهادا بدنيا أو فكريا أو سياسيا أو اقتصاديا أو صناعيا. فتوجيه الطاقات الكبيرة وتسخيرها في بناء الأمة والارتقاء بعقول أبنائها ودفع الشباب إلى تنافس جاد مع الشباب العالمي في ميادين الإبداع والعقل هو المطلوب.. فهل تعلن الأمة مجتمعة حالة الجهاد لنرى أنفسنا بعد سنوات في العالم الصناعي الأول!