تعد مشكلة الصرف الصحي في مدينة جدة «أم المشاكل البيئية» التي تعاني منها المدينة الحالمة.. ولازلت أذكر حفريات الصرف الصحي تشق الطرق والشوارع في منطقة البلد، عندما كنا أطفالا نقفز حولها لندلف إلى مدرسة الفلاح في حارة اليمن قبل نحو أربعين عاما. واتسعت المدينة وتمددت طرقا وبنايات.. وظلت الشركات المتعهدة بمشكلة «المجاري» تمارس عادتها في الحفر والردم. ولكن وبعد تلك الحقب الزمنية المتلاحقة والحفر المتواصل والشركات المتعاقبة.. اكتشفنا في النهاية أن «جدة» بلا مجار للصرف الصحي!! واكتظت شوارعها بوايتات الصرف الصحي تنشر الأوبئة والأمراض والروائح الكريهة.. في مناظر غير حضارية لا تتلاءم مع واقع التطور التنموي.. الذي تعد تمديدات مجاري الصرف فيه من أسس التنمية الحقيقية اللازمة.. وكنتيجة حتمية لغياب شبكة الصرف الصحي تشكلت بحيرة الصرف الصحي التي أطلق عليها إثما وعدوانا بحيرة «المسك».. والتي باتت تشكل خطرا بيئيا جاثما يهدد المدينة وسكانها. وخلال فاجعة الأمطار والسيول التي داهمت جدة في الثامن من الشهر الماضي.. تجسد خطر بحيرة الصرف الصحي الداهم.. وأمسك سكان المدينة على قلوبهم خشية ارتفاع منسوب البحيرة. وانفجار السد الترابي العازل لها.. ولكن المولى عز وجل برحمته التي وسعت كل شيء أنقذ الأهالي من كارثة لا تحمد عقباها.. وعقب الفاجعة وفي عز تداعياتها.. أدلى مدير وحدة أعمال جدة بشركة المياه الوطنية عبدالله العساف بحديث صحفي نشر في العدد (17036) من جريدة المدينة الصادر في 27 ذي الحجة 1430ه، ذكر فيه أن انتهاء مشكلة الصرف الصحي في جدة وتنظيم عمل الشبكات يتم من خلال مراحل وجدول زمني محدد.. مؤكدا أن منظومة الصرف الصحي في جدة سيتم الانتهاء منها في العام 2011م، بتكلفة تصل إلى 8 مليارات ريال وستغطي جميع مناطق جدة، وقد تم التغلب على أغلب المعوقات التي كانت تواجه مقاولي التنفيذ في السابق.. مشيرا إلى أن عملية ربط وتوصيل المنازل بشبكة الصرف الصحي ستكون بداية العام 2012م. موضحا أنه تم انجاز 95 في المائة من الخطوط الرئيسية و65 في المائة من الشبكات الفرعية. ومشيرا إلى أن منظومة الصرف الصحي الجاري تنفيذها حاليا تشتمل على خطوط رئيسية وفرعية وأنفاق ومحطات معالجة. •• والحقيقة هي أن حديث عبدالله العساف مدير فرع شركة المياه في جدة.. كان مفاجأة لنا جميعا بما حمل من مضامين تحمل بشائر قرب انتهاء أم المشاكل الأزلية التي عانى منها سكان مدينة جدة طويلا ولا زالوا يعانون. ولن يضير أهالي جدة الصبر والانتظار لعامين قادمين.. فقد صبروا أكثر من أربعين عاما. ولكن وفي ذات الوقت فإن «الشكوك» تساورنا حول مدى تحقيق هذه الوعود الإعلامية.. ولنا كل العذر في ذلك كما قال الكاتب خالد السليمان. فلقد تعودنا على وعود الكثير من الجهات الخدمية.. والتي ما تلبث أن تكشف لنا الأيام عدم مصداقيتها. ولازلنا نذكر وعود مدير عام مصلحة المياه والمجاري الأسبق في جدة. ولعل آخر الوعود تأكيدات وزارة المياه والكهرباء التي سبق أن أعلنت في عام 2004م أن انتهاء مشكلة الصرف الصحي في جدة سيكون في عام 2008م.. ولكن عام 2008م جاء وانتهى.. ولا زلنا نعيش مأساة الصرف الصحي بتداعياتها المدمرة للبيئة المحلية ونحن ندلف العام 2010م. وفي كل الأحوال فإن الأمل في الله سبحانه وتعالى يظل كبيرا.. ووجود الأمير خالد الفيصل في المنطقة يعزز أملنا في حل هذه المعضلة.. وإن كنا لا نريد تحميله فوق طاقة البشر. ومع هذا فإننا على الموعد في عام 2011م إذا أحيانا المولى جلت قدرته بالصحة والعافية. سيتذكره جميع أهالى مدينة جدة.. وسيحلمون بتحقيقه..