في كتابه (الإسلام وحقوق الإنسان.. ضرورات لا حقوق) الصادر سنة 1985م، انتقد الدكتور محمد عمارة استعمال مصطلح الحقوق في الكتابات الإسلامية التي تناولت موضوع حقوق الإنسان في الإسلام، حيث يرى أن لفظ الحقوق هو مصطلح أوروبي، ويفضل مكانه استعمال مصطلح الضرورات، وحسب كلامه (إن الجهود الفكرية الإسلامية التي بذلت وتبذل في دراسة وبلورة حقوق الإنسان في الإسلام، رغم تحليها بفضيلة إبراز الذاتية الإسلامية المتميزة في هذا الميدان، نراها قد تبنت ذات المصطلح الذي وضعه الأوروبيون لهذا المبحث، مصطلح الحقوق، على حين أننا نجد الإسلام قد بلغ في الإيمان بالإنسان وفي تقديس حقوقه إلى الحد الذي تجاوز بها مرتبة الحقوق، عندما اعتبرها ضرورات، ومن ثم أدخلها في إطار الواجبات). وحين يفرق بين مفهوم الحقوق ومفهوم الضرورات، يرى الدكتور عمارة أن الحقوق قد يتنازل الإنسان عنها، أو لا يسعى للحصول عليها، والدفاع عنها، أما الضرورات فهي التي لا سبيل إلى حياة الإنسان بدونها. ويضيف الدكتور عمارة أن الحقوق المتعارف عليها هي ضرورات لا يحق للإنسان التنازل عنها، فهي في مقام الواجبات التي يأثم الإنسان فردا أو جماعة إذا فرط فيها، فضلا عن الإثم الذي يلحق كل من يحول بين الإنسان وبين تحقيق هذه الضرورات، إذ أنها ضرورات لابد من وجودها ومن تمتع الإنسان بها، وممارسته لها يحقق له المعنى الحقيقي للحياة. وعند النظر في هذا الرأي، يمكن الاتفاق معه إجمالا من جهة تصوير أن الحقوق هي في مقام الضرورات التي لا يجوز التفريط بها أو التنازل عنها أو انتهاكها وعدم الاعتراف بها، سواء من الإنسان صاحب الحق في نطاق حقوق الفرد أو من المجتمع في نطاق حقوق المجتمع، مع ذلك نقول بعدم صحة السلب، فلا نفضل مصطلح الضرورات على مصطلح الحقوق، وذلك للاعتبارات التالية: أولا: إن مصطلح الحقوق لا يعتبر مصطلحا أوروبيا من حيث المعنى والمبنى والمصدر، فهو كما نعلم من المصطلحات الشائعة والمتواترة في النص الديني والثقافة الإسلامية، ومصدره من الحق. وإذا كان مصطلح حقوق الإنسان بهذا التركيب الثنائي يعد من حيث النشأة والتأسيس والتداول الحديث والمعاصر أوروبيا، فإنه يقابله ويعادله في تراث وتاريخ الثقافة الإسلامية مصطلح حقوق العباد، أو حقوق الناس، أو حقوق الآدميين، وهي تسميات شائعة ومتداولة، ولها تأصيل وتقعيد في علمي الفقه الإسلامي وأصول الفقه. ثانيا: ليست جميع الحقوق هي في منزلة الضرورات، فهناك حقوق هي فعلا في منزلة الضرورات مثل المأكل والملبس والمسكن والحرية في الفكر والاعتقاد والتعبير والعلم والتعليم وغيرها، ولكن هناك حقوق ليست في منزلة الضرورات كحق الإنسان في السفر وغيرها من الحقوق التي تصنف على القسم الثالث من مقاصد الشريعة وهي التحسينات التي تعني الأخذ بما يليق من محاسن العادات وتمنح الحياة المزيد من التمتع بالطيبات. ثالثا: ليست كل الضرورات هي في مقام الواجبات، فهناك ضرورات هي من حق الإنسان لكنها ليست في مقام الواجب، مثل الزواج الذي هو ضرورة وحق للنوع الإنساني لكنه ليس واجبا ابتداء، وإذا لم يرتبط بدواعي الوجوب، وهي دواعي لها عناوين أخرى، والمعروف في الشرع الإسلامي أن الزواج هو مستحب مؤكد لكنه ليس واجبا مفروضا على الإنسان. رابعا: ليس هناك توافق وتصالح على لفظ الضرورات في هذا المجال عند فقهاء القانون والحقوق والشريعة، بخلاف لفظ الحقوق الشائع والمتداول في هذا الشأن. ومنذ أن طرح الدكتور عمارة هذه الفكرة في منتصف ثمانينيات القرن العشرين لم أجد في حدود مطالعاتي من أخذ بهذه الفكرة وأعلن توافقه معها ودعا إلى استبدال لفظ الحقوق بلفظ الضرورات في حقل الكتابات الإسلامية حول حقوق الإنسان. لهذا فنحن نتمسك بمصطلح حقوق الإنسان ولا نقدم عليه أية تسمية أخرى، وذلك لكونه الأكثر وضوحا وتعبيرا عن حاجة الإنسان لحقوقه وعن علاقته بهذه الحقوق، ولكونه كذلك المصطلح الذي تلتقي عنده وتتوافق عليه جميع الثقافات والحضارات الإنسانية تقريبا وتتمسك به جميع الأمم والشعوب وينطق به العالم بكل ألسنته ولغاته. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 115 مسافة ثم الرسالة