أشجاني مشهد ذلك الطفل صبيحة الأربعاء (يوم الفاجعة) حينما كان يلهو مع أقرانه في فناء داره في قويزة (الحي المنكوب) على مرأى من أبيه الذي ناداه مرارا وتكرارا ناصحا إياه من مغبة اللهو في هذا اليوم (إحساس الأبوة)، إلا أن براءته الطفولية لم تثنه، فما هي إلا دقائق معدودة حتى اشتد العاصف والمطر وغمرت المياه المكان من كل جانب وعلت الأصوات من بينها ذلك الصوت الطفولي البريء يستنجد بوالده، هرع المكلوم لإنقاذه ولسان حاله يقول: ( لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم ) ولكن هيهات فات الأوان فقد بدأ ذلك الجسد النحيل يتوارى عن الأنظار شيئا فشيئا حتى أصبح أثرا بعد عين، تمسك بقية الأبناء بأبيهم في خضم تلك الأمواج العاتية علهم يثنونه عن البحث وينقذهم، بكى الأب بكاء مريرا واعتصر الحزن والألم قلبه واختلطت دموعه بالمياه وصرخاته بهزيم الرعد وعاد أدراجه يلملم مابقي من الأحياء ليذهب بهم بعيدا عن الأخطار مستذكرا في الوقت نفسه صرخات طفله الذي رحل ولن يعود والذي لم يتبق منه سوى تلك الأثواب القديمة والجديدة التي لم يمهله القدر ليرتديها، وصدى من تلك الضحكات التي مزجت بالصرخات والبكاء، وذكرى سطرها الماضي له في ردهات تلك الدار .. اللهم ألهم أهله وذويه الصبر والسلوان واجعله شافعا لهم إنك سميع مجيب الدعاء. عطية بن سعيد مصبح العمري جدة