ألف مجموعة من الشابات والشبان بعد كارثة جدة فرق عمل تطوعية لمساعدة المنكوبين والمتضررين وتنظيف المساجد والبحث عن مفقودين. ولأن هذه البادرة الإنسانية والحضارية تعكس حسا وطنيا وشعورا بأهمية العمل التطوعي، وتعمل على تكريس ثقافة جديدة في مجتمعنا هي ثقافة التطوع، يتحدث هنا نخبة من المثقفين والكتاب عن ثقافة التطوع، وضرورة تكريسها وتعميقها في المجتمع السعودي. نظام للتطوع بداية، عبر عضو مجلس الشورى حمد القاضي عن فرحه بالنشاط التطوعي، وقال: «توشحت بالفرح عندما قرأت وتابعت النشاط التطوعي لمساعدة المتضررات والمتضررين والتخفيف عنهم فيما أصابهم، سواء في فقد أحد من أسرهم أو شيء من ممتلكاتهم». وأكد أن «هذه الثقافة هي التي نريد أن تنمو وتزداد بين أفراد مجتمعنا»، مشيرا إلى وجود نظام للتطوع يدرس في مجلس الشورى، من شأنه عندما يصدر أن يحفز أفراد المجتمع على التطوع عبر تنظيم جيد يبين مجالات التطوع، وييسرها أمام راغبات وراغبي التطوع فيما ذهب الدكتور توفيق السيف إلى أن التكافل الاجتماعي الذي كنا نعرفه «هو التكافل القروي القائم على معرفة الناس الشخصية لبعضهم البعض، أما التكافل في المدينة الكبيرة فهو ينطلق من مركزية الموضوع أو الهم»، موضحا أن هذا يعني «الشعور بأننا نعيش في مجتمع واحد تجمعنا هموم واحدة حتى لو لم نعرف بعضنا البعض». وقال السيف «المعروف في نطاق عالمي أن المدن الكبيرة يغيب فيها التضامن بين الأفراد والمنشغلين كل في همه الخاص، لهذا فإن مبادرات العمل التطوعي الواسع النطاق كالذي حدث في جدة يعبر عن تطور في فهم الناس لبعضهم البعض وعبورهم لحواجز المعرفة الشخصية والانقسامات الاجتماعية، أي بعبارة أخرى بروز تقاليد جديدة قريبة لما نسميه بقيم المجتمع المدني». ورأى أن «المرحلة الأخرى التي يجب أن نتطلع إليها هي تحول هذا النوع من المبادرات إلى مؤسسة الجذور القديمة الدكتور حمزة المزيني أعاد ثقافة التطوع إلى جذورها القديمة، وأشار إلى أن « هذه الثقافة هي جزء من المنظومة الاجتماعية القائمة على الإيثار ومساعدة الآخرين، فمنذ 40 عاما كان الناس يسارعون في بناء بيت أحد الجيران، وفي أيام الزراعة والبذر والحصاد كان الفلاحون يعملون على بذر البذور وغرس شتلات الزرع. وفي أيام الزواج والمناسبات الاجتماعية يهب الجيران لإحضار الفرش والأدوات اللازمة للطبخ دون مقابل، . ومن هنا فإن تكريس وتشجيع هذه الأعمال التطوعية وتذكير الناس بجزء مضيء من ثقافتنا التي هجرت تقريبا شيء مهم وضروري». مسالك خاطئة أما الدكتور أنور عشقي فقد ذهب للقول إن «التطوع ينبغي أن يكون منظما، وذلك بصدور لوائح حتى لا يتجه هذا التطوع في مسالك خاطئة؛ لأن فوضى التطوع تشرع الأبواب أمام المستغلين والمحتالين إلى ارتكاب أعمال مخلة»، معتبرا أن «التطوع الخاطئ قدم الدعم المالي للإرهاب وغيره، والتطوع اليوم في جدة وما تعانيه من مأساة يجب أن يكون مرتبطا بجهات رسمية، والأموال التي تنفق يجب أن تكون مسجلة وموثقة. . فحين أصدر خادم الحرمين الشريفين أوامره في هذا الصدد، اندفع الشابات والشبان إلى أعمال التطوع، فثقافة التطوع ثقافة عامرة في نفس كل إنسان مسلم لكنها في حاجة إلى توجيه وتنظيم. ولم يستغرب الكاتب علي الخبتي هذه «اللحمة التي تتميز بها بلادنا التي ساهمت في انتشار ثقافة التطوع بهذه السرعة من قبل شابات وشبان هذا الوطن»، مؤكدا أن «هذه البلاد تتمتع بمثل وقيم ومبادئ وخلق الإسلام، فأبناء الوطن بهذا العمل يقولون للناس: إننا كسعوديين ثابتون على مبادئنا وقيمنا ومستمرون عليها».