ليس هناك أجمل من العمل الذي يعمل فيه المرء بحب وعطاء وصدق، وفي الميدان التربوي الكثير من الحكايات والقصص التي يجب أن تسجل لتحكى وتكون رواية تروى للناس للعظة والعبرة واستقاء الحكمة من وراء كل موقف. في زيارتي لإحدى المدارس وقفت أمام منظر تلميذ صغير أحسبه في الصف الأول كان ينظر بعينين حائرتين يرسلهما إلى جموع التلاميذ وكأنه يبحث عن صديق. اقتربت منه وحييته فمد يده الصغيرة ليحييني، فقلت: كأنك تبحث عن أحد فأشار برأسه وهو يقول «لا» فقلت ماذا تريد؟ قال: لاشيء فقلت: هل معك «فسحة»؟ قال: معي. قلت: لماذا لم تفطر مع زملائك؟ فبكى وراح يمسح عينيه الدامعتين بظهر كفه الصغير، فقلت: هل تقبل أن أشاركك الإفطار؟ فلم يجب، والصمت علامة القبول كما يقال، فعزمته على إفطار سريع من مقصف المدرسة، إلا أن لمسة الأسى وجريان الدمع في عيني الصغير أنبأتني أن خلفه من الألم ما يوجع، فهو يعيش مع أمه المطلقة، وهو وحيدها، فالصغير كان يبحث عن جدول من الحنان يراه يملأ حياة زملائه وهم يلهون مع بعضهم، بينما هو يعيش حالة الاغتراب نتيجة لأن مشاعره مخدوشة، فما كان مني إلا أن لملمت عواطفي المتناثرة وجررت خطواتي المثقلة نحو غرفة مدير المدرسة وأنا أتمتم بقول بدوي الجبل: وصن يارب ضحكة الأطفال إنها إذا غردت في موحل الرمل أعشبا ورحت أسرد لمدير المدرسة المشهد لعل في جعبته وعند معلمي المدرسة وفي ساحتهم من الأنشطة ما يسد رمق هذا التلميذ وأمثاله ممن يعانون الجوع العاطفي. محمد إبراهيم فايع خميس مشيط