تغيب عن حياتنا العديد من المفاهيم الإدارية البسيطة والبديهية التي لابد منها لتسيير أمورنا، سواء في تنظيم شؤوننا الشخصية، أو الأسرية، بل وحتى على صعيد المؤسسات والمرافق العامة والخاصة، ولعل هذا ما يسبب هذه الفوضى والربكة التي تشمل أوجه حياتنا، وتحول بيننا وتحقيق أهدافنا رغم توفر كل الإمكانيات اللازمة والمطلوبة لتحقيقها، ودائما ما أردد، بأن الإمكانيات دائما ليست هي المشكلة، ولكن توظيف ما هو متوفر على النحو الصحيح يظل هو العامل الأهم في تحقيق الأهداف والبرامج على أي صعيد، سواء كان شخصيا أو أسريا أو مؤسسيا. وواحدة من هذه المفاهيم مسألة الراتب الذي يتصدر الفصل الأول من ميزانية الدولة، إلى ميزانية الوزارات والشركات والمؤسسات والبقالات، إلى ميزانية الأسرة إذا كان عمالة منزلية، فقد درجنا على النظر إلى ما ندفعه من رواتب باعتباره من المنصرفات، وهذا فهم خاطئ تماما، إذ يجب أن يكون المرتب «استثمارا»، لأن النظرة الصحيحة لا تركز على ما تصرف فقط، وإنما على «المردود» بشكل خاص، فأنت حين تضع ما تصرفه على كفة، ومردود المنصرفات في الكفة الأخرى ثم تقارن بينهما لتقدير نسبة الأرباح، تكون بذلك قد أدرت منصرفاتك إدارة استثمارية بحق. ما الذي يحدث عند اختلال هذا الميزان؟. ما يحدث هو أنك عندما تنظر للمرتب الذي تدفعه ك «منصرفات» سينصب تركيزك على تقليصه بقدر ما تقدر، مما يدفعك لتوظيف العمالة الرخيصة، والعمالة الرخيصة تكون واحدا من اثنين: إما عمالة تفتقر إلى المهارات المطلوبة، وهذه ضررها أكثر من فائدتها، هذا إذا كانت لها فائدة من الأساس، وكما نقول في أمثالنا «الرخيص مخيس». أو، إما هي عمالة تتمتع بالقدر المطلوب، وبالتالي فإنك تكون بخستها حقها، ما يجعل العامل المستأجر يشعر بالظلم والغبن، وبالتالي لا يمكنك أن تتوقع إخلاصا ولا تفانيا ممن أوغرت صدره عليك، هذا إن لم يسع للانتقام منك في عمله، وعلى كل، فأنت في الحالتين خاسر. نقول في أمثالنا البليغة: «لكل حجرة أجرة»، فإذا أردت أن يكون ما تدفعه من رواتب استثمار مضمون العائد والمردود، فإنك ستحرص على انتقاء من تختاره بعناية ولن تبخل بما تدفعه مقابل الخدمة التي يؤديها لك. والعكس بالعكس إذا ما أردت أن توظف عمالة ضعيفة التأهيل ولا تدين بالولاء والانتماء لك أو للعمل، والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصى أو تعد.. تبقى هناك قضية، وهي: من الذي يختار ويحدد صلاحية المستخدم؟، إذ إننا درجنا على إيكال هذه المهمة لإداريين لا علاقة لهم بتخصصات من يختارونهم لوظائف ذات تخصصات فنية معينة. ولا أدري كيف يمكن لإداري أن يختبر مهندسا أو طبيبا ويحدد مدى صلاحيته وما يتمتع به من كفاءة في مجال تخصصه؟. * كاتب وأكاديمي www.binsabaan.com للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 215 مسافة ثم الرسالة