يظل فن الموسيقى والغناء أسرع وسيلة لتنمية حواس الأطفال وتنمية إدراكهم بالحياة منذ لحظة الميلاد الأولى، لذلك كانت ولا تزال الأم العربية من المحيط إلى الخليج تستقبل رضيعها بأغاني التراث الشعبي بنغماتها وإيقاعاتها، فهي تربيه بالفطرة الإنسانية على حب الموسيقى والغناء، لذلك فطن العبقري الموسيقار الراحل محمد فوزي إلى أهمية إشباع حاجة الطفل للغناء فقدم له روائعه التي ماتزال نابضة بالحياة. لكن، ونحن نحتفل باليوم العالمي للطفل، نجد الطفل العربي محروما من أغنية تخاطبه وتشبع وجدانه إلا في حالات نادرة، فبعد التجارب الناجحة التي قدمتها فيروز وشادية وصباح وصفاء أبو السعود وعفاف راضي ومحمد ثروت وغيرهم، تقلصت أغنية الطفل العربي في تجارب محدودة للغاية عند محمد فؤاد وهي أغان قدمها في سياق تجاربه السينمائية، إلى جانب تجربة الفنانة نانسي عجرم في ألبومها «شخابيط» الذي حقق نجاحا كبيرا، ومع ذلك سرعان ما تختفي هذه التجارب لتغيب معها أغنية الطفل.«عكاظ» تطرح في السطور المقبلة قضية غياب أغنية الطفل، وهل يرجع ذلك إلى وجود أزمة في شعرائها أم ملحنيها أم مطربيها أم الجهة المنتجة؟ النصوص الغنائية الشاعر أحمد فضل شبلول يؤكد وفرة النصوص الشعرية الغنائية المكتوبة للأطفال في الفصحى والعامية، «لكن لا يلتفت إليها»، مرجعا ذلك إلى أن المنتج العربي يخشى إهدار ماله، خصوصا أن أغنية الطفل ليست تجارية، ولا يوجد في العالم العربي مؤسسة أو شركة خاصة بصناعة بأغنية الطفل تعمل على ترويجها كصناعة وتجارة. ويشدد شبلول على ضرورة أن تتبنى المؤسسات الرسمية في العالم العربي أغنية الطفل، وتشجع على إنتاجها. مخاطبة الكبار الشاعرة سارة طالب السهيل تتفق مع شبلول، معتبرة أنه لا توجد أزمة في النصوص الشعرية الغنائية للأطفال، «فالعالم العربي مليء بالشعراء الذين يكتبون للأطفال، لكن أزمة أغنية الطفل جزء من أزمة الاهتمام بالطفل العربي، فالمؤسسات الثقافية والفنية في العالم العربي، وحتى المؤسسات الخاصة لا تهتم إلا بمخاطبة الكبار وفنون الكبار، وتتجاهل أهمية فن مخاطبة الطفل الذي هو ركيزة المستقبل. وتضيف «حتى لو أنتجت أغنية للطفل، فإن القنوات الفضائية لا تعيرها اهتماما في البث الفضائي إلا إذا تغنى بها مطربون ذوو شهرة كما في تجربة ألبوم نانسي عجرم، وذلك تحقيقا لمكسب تجاري محض. شركات الإنتاج الموسيقار حلمي بكر يحمل شركات الإنتاج مسؤولية تجاهل تقديم أغان للأطفال خشية الخسائر المالية، موضحا «أن المنتجين لا يتبنون اليوم سوى الأغاني التي تبرز فيها مشاهد العري والكلمات المسفة التي لا تلائم الطفولة وبراءتها وأخيلتها، لذلك فإن ما يقدم للأطفال كما في تجربة هيفاء وهبي «بوس الواوا»، يبقى بعيدا تماما عن عالم الطفولة، ولا يمكنه أن يعيش في الوجدان مثلما عاشت التجارب المبدعة التي قدمها محمد فوزي خصوصا في أغنيتيه «ذهب الليل»، و «ماما زمانها جاية»، لذلك فلا مخرج لمشكلة أغنية الطفل سوى أن تبذل الجهات الحكومية في الدول العربية جهودها لإنتاج أغان للأطفال، كما ينبغي للمؤسسات العربية مثل اتحاد المنتجين العرب أن يتبنى أغنية الطفل إذا كان المسؤولون فيها يدركون حقيقة أن الاهتمام بأغنية الطفل هو دليل على تحضر الأمم». التلحين للأطفال الملحن عمرو مصطفى يؤكد صعوبة التلحين للأطفال، «لأن الملحن لا بد أن يصيغ الجمل اللحنية البسيطة التي تناسب أيضا ذكاء الأطفال». ويلحظ أن «أغنية الطفل تعاني من تجاهل واضح من جانب المنتجين في سوق الغناء، والمنتجون يرفضون فكرة إنتاج ألبوم للأطفال». مغامرة غير محسوبة المنتج محسن جابر صاحب شركة عالم الفن المنتجة لألبوم نانسي عجرم «شخابيط» يعترف بقصور شركات الإنتاج وتجاهلها أغاني الأطفال، ويقول: «إن الإنتاج الغنائي صار مغامرة غير محسوبة وتتعرض لمخاطر كثيرة، خصوصا بعد ظهور الإنترنت وانتشار المحطات الفضائية مما جعل سوق الكاسيت يواجه كسادا كبيرا، لذلك يخشى المنتجون من المغامرة بإنتاج ألبوم للأطفال». صدق الفنانين المطربة عفاف راضي ترجع أزمة أغنية الأطفال ليس إلى تجاهل شركات الإنتاج لها فقط، بل إلى عدم صدق الفنانين في التعبير عن الأطفال، معتبرة «أن المطربين اليوم يبحثون عن تحقيق الشهرة، فإذا كانت الوسيلة لهذه الشهرة عبر أغاني الأطفال قدموها، وإذا كانت بتقديم الأغاني المثيرة انتقلوا إليها، في حين أن كل الأعمال الغنائية التي قدمت للأطفال وبقيت خالدة مثل أعمال محمد فوزي والأغاني التي قدمتها من أشعار سيد حجاب بقيت في الذاكرة.