من نافذة تطل على طريق المدينةالمنورة في جدة، يتأمل الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي البروفيسور أكمل الدين إحسان أوغلي، الطريق إلى أمة إسلامية تقود العالم سياسيا واقتصاديا وعالميا، ففي نهاية الطريق الذي يتأمله، تنتهي الرحلة إلى مدينة شهدت احتضان الدين الذي انطلق إلى كل أصقاع الدنيا قبل 1430 عاما. بينما يقف الأمين العام في مكان اجتمعت فيه 57 دولة منذ 40 عاما؛ لتنطلق الوحدة السياسية الأوسع في العالم بعد الأممالمتحدة تحت مظلة دين يدعو إلى التسامح والتعارف بين الشعوب وإشاعة ثقافة العلم والتعلم. ملفات كثيرة على طاولة إحسان أوغلي وأخرى في حقيبته التي ينطلق بها من تخوم الصين إلى أمريكا الجنوبية، يحمل هموم وشجون وآمال الدول الاسلامية، آملا أن يقدم للعمل الإسلامي -عبر موقعه الذي يكمل فيه بعد أقل من 75 يوما، خمسة أعوام- ما يقوي الترابط الإسلامي الإسلامي. يضع الأمين العام أوراقه وفريق عمله للانتقال إلى موقع جديد في مدينة جدة الحاضنة للمنظمة، آملا أن يصاحب تغيير المكان تحولا جديدا يسهم في الدفع بالعمل الإسلامي الذي يسكنه ويعبر عنه في خطبه المباشرة والصريحة، وهي السياسة التي اتخذها منذ أن حمل حقيبة الأمانة العامة، والأسلوب الذي جعل المراقبين يشهدون على أن ما قدمه منذ أن اتخذ موقعه يعد عهدا جديدا ومختلفا في تاريخ المنظمة. «عكاظ» التقت إحسان أوغلي وفتحت معه جملة من الملفات في الحوار التالي: • ما موقف منظمة المؤتمر الإسلامي من العدوان الذي حدث على حدود المملكة الجنوبية من قبل متسللين مسلحين؟ موقفنا أعلن منذ البداية، ونؤكد عليه؛ بأن ما تنفذه المملكة يكفله القانون والأعراف الدولية، وبما يقتضيه واجب الحفاظ على أمن الوطن وحماية حدوده وردع المتسللين. ونعود لنؤكد أن المساس بأمن المملكة هو مساس بأمن 57 دولة عضوة في منظمة المؤتمر الإسلامي. • كيف تنظر المنظمة إلى الوضع اليمني من الجوانب السياسية والإنسانية؟ لقد زرت العاصمة اليمنية صنعاء في 31 أكتوبر الماضي، والتقيت الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، حيث تمحورت محادثاتي مع الرئيس حول العلاقات الثنائية بين المنظمة والجمهورية اليمنية وسبل تعزيزها، كما التقيت وزير الخارجية الدكتور أبو بكر القربي، وأكدت خلال زيارتي على موقف المنظمة الواضح والمتعلق بحرص المنظمة على أن يكون للجمهورية اليمنية دورها الفعال داخل المنظمة، لا سيما أنها من الدول المؤسسة لها، حيث تأتي هذه الزيارة في سياق الاتصالات المستمرة بين المنظمة والحكومة اليمنية ممثلة في وزارة الخارجية. كما جددت خلال الزيارة موقف المنظمة الداعم لوحدة التراب اليمني، ونحن نريد أن يعود الوئام إلى كل أبناء الوطن اليمني؛ حتى يستكمل مسيرة العملية الديموقراطية والنمو الاقتصادي والاجتماعي. أما فيما يتعلق بالجهود الإنسانية، فالمنظمة تسعى حاليا لإنشاء مخيم لإيواء النازحين سيتم التباحث حوله مع الحكومة اليمنية، وقد قام وفد الشؤون الإنسانية بالمنظمة بزيارة عدد من مخيمات النازحين للإطلاع على أحوالهم وتقييم الاحتياجات الإنسانية لهم ورفع توصيات بذلك للدول ال 57 الأعضاء في المنظمة من أجل حشد الجهود المساندة للحكومة اليمنية في مساعدة النازحين والمتضررين من أحداث هذه الفتنة. • ما رأيكم في التصريحات الأخيرة التي صدرت من دول تحدثت عن مكانة الحج، والدعوة إلى تسييس الحج؟ أعتقد أن المناقشة في هذه المسألة أمر تافه، وليس لأحد حق أن يغير الحج، هذه شعيرة وفريضة في الإسلام منذ أكثر من ألف و400 عام، هي ركن من أركان الإسلام، وهذا لغط لا أهمية له، ويجب ألا نشغل أنفسنا بهذا، أعتقد أن الكلام في هذه الأمور لغط زائد. • أطلق خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز قبل سبعة أسابيع جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (بيت الحكمة)، كيف تنظرون إلى هذه الجامعة التي انطلقت في قلب العالم الإسلامي، وأنتم أمين عام منظمة المؤتمر الاسلامي التي تضم 57 دولة؟ شخصيا، لدي اهتمام غير عادي بالبحث العلمي، لأنني أؤمن أن البحث العلمي هو سبيل التقدم العلمي المفضي إلى التقدم التكنولوجي، وهذه العوامل الثلاثة تؤدي إلى تقدم الأمم وأخذها الموقع اللائق في الأسرة الدولية، وخروجها من قائمة الدول المتخلفة إلى مصاف الدول المتقدمة. ونحن في العالم الاسلامي نجابه تحديا كبيرا؛ هو تحدي التخلف العلمي والتقني، وفي منظمة المؤتمر الإسلامي نعطي اهتماما كبيرا لهذا الأمر، وقد وضعنا هذه الأهداف في الخطة العشرية التي وافقت عليها قمة مكةالمكرمة الاستثنائية. وحثثنا الدول على الإنفاق على البحث العلمي للتنمية، إذ طلبنا أن تنفق كل دولة على الأقل واحدا في المائة على البحث العلمي، وهي نسبة تشكل النصف بالنسبة للدول المتقدمة. وللأسف أكثر دولة تنفق على البحث العلمي في دول العالم الإسلامي لم تصل إلى واحد في المائة. المملكة وضعت ثقلها في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية التي تشرفت بحضور حفل وضع حجر الأساس فيها منذ عامين، أرى أنها ستكون القاطرة التي تجذب البحث إلى هذه البلد. وبما أن هذه الجامعة صممت لأن تكون مفتوحة لجميع دول العالم، فإنها ستأخذ مكانها في الإطار العالمي، ونحن نتمنى أن يزداد التعاون بين مراكز البحث العلمي في دول العالم الإسلامي، وستكون هذه الجامعة من الإرث المهم لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي قدم منذ توليه الحكم جملة من المبادرات لبناء أسس تنموية ومؤسساتية مهمة لتطوير المملكة والارتقاء بالشعب السعودي، وأخرى على مستوى العالم الإسلامي مهمة، وحتى إنسانية على مستوى العالم، ولكن قمة هذه المبادرات هي إنشاء الجامعة، وهذا سيظل من الإرث العظيم لهذا القائد الذي له رؤية واضحة للمستقبل والخروج من مرحلة الجمود والتخلف إلى مرحلة التقدم العلمي. • الأمة الإسلامية أخذت دورا رياديا في البحث العلمي، عندما كانت تحتضن بيت الحكمة في عصور سابقة، واليوم؛ المراقبون يجمعون على أن الجامعة هي بالفعل «بيت حكمة» في العصر الحديث، كيف ترون هذه الجامعة من منظور أن من أساتذتها وطلابها من أبناء الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الاسلامي؟ التقدم العلمي لا يكون إلا بوجود العقول المتميزة التي لديها قدرة على توليد معرفة جديدة وعلم جديد، وألا تكرر ما اكتشف سابقا، بل تبتكر معارف جديدة. نحن اليوم لا نتحدث عن أسماء كبيرة بعينها فازت بجوائز مهمة مثل جائزة نوبل، وعدم ذكرنا ليس تجاهلا، على العكس؛ هؤلاء العلماء قدموا ابتكارات عظيمة، ولكن نعود إلى الأهم، إن هؤلاء هم نتاج مؤسسات كبيرة، معظم الاختراعات لم تكن بأدوات بسيطة فقط في البيوت، بل في مختبرات ومؤسسات بحثية ضخمة، معهم العشرات وربما المئات من الباحثين والمساعدين. وهذا العمل المؤسسي أو «العلم الكبير» مثل جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، سيكون محطة لتوليد ابتكارات عظيمة وعقول متميزة. • أطلق المراقبون على مبادرة خادم الحرمين الشريفين لحوار الأديان مسمى «المبادرة التاريخية»، ما التغير الذي لمستموه تجاه الأمة الاسلامية، خصوصا في مسألة «الإسلاموفوبيا»؟ أهم ما في مبادرة حوار الأديان أنها جاءت على مستوى الملك عبد الله، وهي بهذا تعد أعلى مستوى قدم من العالم الإسلامي؛ لأن خادم الحرمين الشريفين لم يتحدث باسم المملكة فقط، بل باسم دول العالم الإسلامي جميعا. المملكة لها موقع الريادة، والملك عبد الله باعتباره خادم الحرمين الشريفين له مكانته الخاصة والمتميزة في العالم الإسلامي، لذلك نقول إن هذه المبادرة هي أرفع مبادرة في العالم الإسلامي. • قمة مكة الاستثنائية قال عنها المراقبون إنها نقلة نوعية في العمل الإسلامي، خاصة فيما يتعلق بعودتها القوية إلى المجتمع الدولي، ما الذي تغير منذ ذلك الحين حتى الآن؟ بداية، من الضروري بمكان أن تصبح المنظمة -بوصفها الصوت الذي يمثل العالم الإسلامي- شريكا فاعلا على الساحة الدولية، خاصة أن برنامج العمل العشري، الذي تم اعتماده خلال قمة مكةالمكرمة في ديسمبر 2005، تضمن خطة تشمل جميع المجالات التي تهم المسلمين في العالم، وتتطلب من الأمة الإسلامية بذل جهود جماعية، وتضمنت وثيقة البرنامج -التي تعد من أبرز إنجازات المنظمة ،جنبا إلى جنب مع الميثاق الجديد- دعوة الأمين العام إلى سن إصلاحات فعلية، وذلك بغية تحويل المنظمة إلى مؤسسة قوية قادرة على إسماع صوت العالم الإسلامي وقضاياه دوليا. ويجب في هذا السياق أن نسلط الضوء على اعتماد ميثاق جديد للمنظمة خلال القمة الإسلامية الحادية عشرة وتنفيذ الخطوات الأولى. علاوة على ذلك، لعبت المنظمة دورها كفاعل رئيسي على الصعيد الدولي، خاصة في مجال الحوار بين الحضارات والدفاع عن صورة الإسلام ومكافحة ظاهرة الإسلاموفوبيا أو «التخويف من الإسلام» والتعاطي مع الملفات السياسية بفعالية غير مسبوقة، خاصة فيما يتعلق بفلسطين، وهو ما يبرز في انعقاد الاجتماع الطارئ للجنة التنفيذية لوزراء الخارجية بالدول الأعضاء في المنظمة في الأول من الشهر الجاري، وإسهام المنظمة في إطلاق تقرير جولدستون الذي أدان بشكل واضح الجرائم الإسرائيلية ضد قطاع غزة، بالإضافة إلى العراق ولبنان وأفغانستان وجامو وكشمير ودارفور وقبرص التركية وناغورنو كاراباخ والصومال وساحل العاج والمجتمعات الإسلامية في تايلند والفلبين. وشملت الإنجازات أيضا التصديق على الميثاق الجديد للمنظمة وتفعيله، شأنه في ذلك شأن الاتفاقيات القائمة بين الدول الأعضاء في المنظمة في مجالات الاتصالات السلكية واللاسلكية، ونظم المعايير والمقاييس، والطيران المدني وبرامج التجارة التفضيلية ومكافحة الإرهاب والتعاون في مجال العمل الإغاثي والتعاون الاقتصادي والفني والتجاري. وتمثل هذه الإنجازات خطوة ضرورية للدفع بالعمل الإسلامي المشترك نحو الأمام، آخذين في الاعتبار جدية الجهود التي بذلتها المنظمة خلال السنوات الأربعين الماضية بهدف تطوير الأطر المؤسسية الضرورية والأطر القانونية متعددة الأطراف التي تسمح للدول الأعضاء بتعزيز تعاونها المتبادل من خلال إطلاق وتنفيذ مشروعات اقتصادية مشتركة، كما أن المنظمة أقدمت منذ تأسيسها على إنشاء عدد من المؤسسات الاقتصادية مثل البنك الإسلامي للتنمية واللجنة الدائمة للتعاون الاقتصادي والتجاري (كومسيك)، ومركز البحوث الإحصائية والاقتصادية والاجتماعية والتدريب (سيسريك) وغيرهما من الأجهزة التابعة للمنظمة، حيث نجحت المنظمة في وضع خطة عمل لتعزيز التعاون الاقتصادي البيني بين الدول الأعضاء. أما على الجانب الاقتصادي فقد شرعت المنظمة في تنفيذ برنامج عمل ساهم في تخفيف حدة الفقر وبناء القدرات في الدول الأفريقية الأعضاء بالمنظمة الأقل نموا، كما كلفت المنظمة لجنة الكومسيك بالعمل على رفع مستوى التجارة البينية بين الدول الأعضاء، حيث ارتفع حجم التبادلات التجارية البينية من 14,5 في المائة خلال عام 2004 إلى حدود 16,67 في المائة في عام 2008. ومن المتوقع أن يتصاعد حجم التبادل التجاري إلى 20 في المائة بحلول عام 2015. كما أن حصة الدول الأعضاء في الناتج المحلي الإجمالي العالمي شهدت تزايدا ملموسا، إذ إنه في عام 2007 حققت الدول الأعضاء -التي يمثل عدد سكانها ما يقارب 22 في المائة من مجموع سكان العالم- 6,8 في المائة من مجموع الناتج المحلي الإجمالي العالمي و9,8 في المائة من إجمالي الصادرات السلعية مقابل 6,1 في المائة و9,2 في المائة في عام 2006. ويتوقع أن تصل حصة الدول الأعضاء في الناتج المحلي الإجمالي العالمي خلال عام 2008 إلى 7,3 في المائة. ومن أبرز الإنجازات كذلك، إنشاء المؤسسة الإسلامية الدولية لتمويل التجارة ضمن مجموعة البنك الإسلامي للتنمية، حيث إن هذه المؤسسة -التي يبلغ رأس مالها المصرح به 3 مليارات دولار ورأس مالها المكتتب 750 مليون دولار- وافقت على تمويل مشروعات تجارية بقيمة 2,6 مليار دولار خلال عام 2007، تم ضخ 77 في المائة منها في عمليات تمويل التجارة البينية بين الدول الأعضاء. كما أنشأت مجموعة البنك الإسلامي للتنمية، من جهتها، صندوق التضامن الإسلامي للتنمية برأس مال متوقع قدره 10 مليارات دولار. وفي عام 2008، أطلقت مجموعة البنك الإسلامي برنامجا خاصا للتنمية في أفريقيا بهدف الحد من الفقر وتعزيز النمو الاقتصادي ودعم القدرات التنافسية للدول الأفريقية الأعضاء بالمنظمة على الساحة العالمية. وتركز المنظمة اهتمامها على قضايا تيسير التجارة، بما في ذلك تطوير البنية التحتية للنقل، وعقدت المنظمة اجتماعات لمناقشة وسائل تنفيذ مشروع خط السكك الحديدية الرابط بين دكار وبورسودان، الذي سيساهم في ربط بلدان غرب أفريقيا بشرقها. وفي مجال الصناعة والسياحة، تعمل الدول الأعضاء في المنظمة بنشاط على تعزيز التعاون، فعلى سبيل المثال؛ يضطلع قطاع القطن بدور مهم في التنمية الاجتماعية والاقتصادية لأكثر من 20 دولة من الدول الأعضاء التي تبلغ حصتها 28 في المائة من مجموع إنتاج القطن العالمي، و24 في المائة من الاستهلاك الإجمالي العالمي للقطن، و36 في المائة من الصادرات العالمية للقطن، و27 في المائة من واردات العالم من هذه المادة. وعلى الجانب الإنساني جرى في مايو الماضي إقرار هيكلية الإدارة الإنسانية المستحدثة قريبا في المنظمة، التي عملت على مدى الأشهر الماضية على تقديم مشاريع إنسانية متعددة وكبيرة في قطاع غزة، ودارفور، وأفغانستان، وإندونيسيا، وباكستان والنيجر، وغيرها من المناطق المتضررة في العالم الإسلامي. • كان لخادم الحرمين الشريفين عدد من المبادرات الإسلامية، كيف انعكست هذه المبادرات على العمل الإسلامي المشترك؟ أود أن أعبر أولا عن عميق شكري للعناية الكريمة والرعاية الفائقة، التي يوليها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، لمنظمة المؤتمر الإسلامي، والتي تمثلت في رعايته السامية للاحتفالات بالذكرى السنوية الأربعين لإنشاء المنظمة، ولمكرمة الملك عبد الله بن عبد العزيز ببناء مقر دائم للمنظمة في جدة، ولخادم الحرمين الشريفين الأثر الأكبر في تفعيل دور المنظمة، فمع حلول عام 2005 -وبمبادرة واعية وحكيمة من الملك عبد الله بن عبد العزيز- انعقدت القمة الاستثنائية الثالثة للمنظمة في مكةالمكرمة بغية إحداث تغيير جذري في مسيرة عمل المنظمة وأهدافها ورؤيتها واهتماماتها، وتمكين العالم الإسلامي من مواجهة تحديات القرن 21. كما لا نستطيع أن نغفل كذلك الدور الكبير لخادم الحرمين الشريفين ورعايته الكريمة لقوافل الإغاثة التي أطلقتها المنظمة لصالح قطاع غزة، الأمر الذي انعكس بشكل كبير وفعال على العمل الإنساني للمنظمة، وأعطاه دفعة كبيرة في سبيل إغاثة المتضررين في العالم الإسلامي، جنبا إلى جنب مع دعم المملكة المتواصل لجهود المنظمة في تخفيف معاناة ضحايا الكوارث في كل بقعة من بقاع العالم الإسلامي. وأود أيضا أن أشيد بالإنجازات الفذة والمكاسب الجمة التي تحققت على أرض المملكة العربية السعودية الطيبة، بفضل سياسات خادم الحرمين الشريفين الرشيدة، رغم التحديات العالمية المتتالية، وأخص هنا الرؤية الصائبة والبصيرة النافذة، التي تجلت في دعوة خادم الحرمين الشريفين للحوار بين أتباع الديانات المختلفة. • كيف ترون الانتهاكات الإسرائيلية الأخيرة في الأقصى، في الوقت الذي نرى فيه الانقسام الفلسطيني، هل ترون أن هذا الانقسام يقف وراء تطور الوضع في القضية الفلسطينية، وهل تستطيع المنظمة خلق بديل يستطيع أن يخرج الفلسطينيين من دائرة الصراع الحالي ويركز على مسألة التفاوض مع الطرف الفلسطيني الآخر..؟ لقد ذكرت في كلمتي أمام الاجتماع الطارئ للجنة التنفيذية الموسعة لوزراء الخارجية الذي عقد في مطلع هذا الشهر، أن تسارع وتيرة إجراءات إسرائيل في مدينة القدس وضواحيها طبقا للخطة الإسرائيلية المعروفة ب (إي ون) التي تقضي ببناء واسع النطاق للمستوطنات الجديدة، يعد إجراءات تعسفية تستلزم تحركا دوليا جادا، لهذا نجد أنه من الضروري بمكان اتخاذ خطوات غير تقليدية لمواجهة الخطر الداهم الذي يواجه مدينة القدس بشكل عام، والمسجد الأقصى بشكل خاص، في ظل سعي قوات الاحتلال إلى تقسيم الحرم القدسي، وتحويل ذلك إلى واقع معاش. وهنا أشدد على أن كل ما يجري من اقتحام للمسجد الأقصى وانتهاك لباحاته يعد انتهاكا صارخا لمواثيق حقوق الإنسان الدولية والإقليمية، كالمادة السادسة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، وانتهاكا خطيرا لأحكام القانون الدولي، خصوصا تلك المتعلقة بحماية أماكن العبادة. أما فيما يتعلق بموضوع الانقسام الفلسطيني.. في ديسمبر من عام 2006 كانت المنظمة أول من سعى إلى تحقيق المصالحة بين الطرفين وكنت أول من زار رام اللهوالقدسوغزة مرارا وتكرارا ودمشق، إلى أن توصلت يوم 17 ديسمبر إلى اتفاق جمع الطرفين، وكانت أول محاولة لبناء جسور تفاهم بين الطرفين. منذ ديسمبر 2006 وحتى يومنا هذا نكاد نكون قد اقتربنا من ثلاثة أعوام، وخلال الفترة الطويلة الماضية رأينا العديد من التقارب والتباعد إذا صح التعبير، وأنا أندهش من هذه الصورة المزعجة، ففلسطين تتآكل والدعم الدولي لفلسطين يتآكل، وبعض التيارات الأساسية في الحركة الفلسطينية لم تتوافق بعد على موقف واحد، نحن ندعم المصالحة المصرية، لأنها كانت ذات نفس طويل واستطاعت هذه المصالحة أن تستمر لفترة ثمانية أشهر. • كان هناك تفاعل فيما يتعلق بالرئيس الأمريكي الجديد، فهل لغة التفاؤل في رأيكم لا تزال موجودة؟ توجهنا برسالة إلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وبصفة عامة وفي إطار تحركات منظمة المؤتمر الإسلامي، تسعى المنظمة إلى تعزيز علاقة الدول الأعضاء في المنظمة بالدول الكبرى، لهذا يجيء تحرك المنظمة تجاه واشنطن في السياق نفسه، وقبل انتخاب الرئيس أوباما، ضمن جهود هدفت إلى فتح قنوات اتصال بين المنظمة والإدارة الأمريكية، يمكن من خلالها تصحيح صورة العالم الإسلامي أمام الرأي العام الأمريكي، والإعلام الأمريكي، والمؤسسات الأمريكية المختلفة. ونجحنا بالفعل حتى قبل إدارة أوباما في أن نبدأ هذه الخطوات، حيث قررت إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش في عامها الأخير تعيين مبعوث خاص لها في المنظمة. ومع مجيء إدارة أوباما، تشجعنا جدا بما جاء في تصريحات الرئيس أوباما إزاء تصوره عن العالم الإسلامي في الفترة التي سبقت إجراء الانتخابات الرئاسية، فكل الإشارات كانت تشير إلى ما جاء على لسانه من وجهات نظر عن العالم الإسلامي، ورغبته في تصحيح العلاقة بين الولاياتالمتحدةالأمريكية، والعالم الإسلامي، كل ذلك كان مشجعا وكان لا بد من أن نستقبله بشكل إيجابي. وهكذا أتت رسالتنا المفتوحة له التي نشرت في يوم تنصيبه 20 يناير 2009 على صفحات جريدتي (الهيرالدتريبيون)، و(نيويورك تايمز)، وقد أردنا من خلال هذه الرسالة الإعراب عن ترحيبنا بتوجهاته المشجعة في إقامة علاقات صحيحة بين الجانبين، مبنية على الاحترام المتبادل والمصلحة المتبادلة. لهذا أكرر ما قلته إن على إدارة الرئيس أوباما أن تترجم الأقوال بالأفعال، وأن تفي بالتزاماتها تجاه المنطقة، وتنخرط بثقلها من أجل حل الأزمات المستعصية التي بالضرورة تحتاج إلى دعم من قبل المجتمع الدولي. • تحتفل منظمة المؤتمر الإسلامي هذا العام بمرور 40 عاما على تأسيسها، برأيك ماذا قدمت المنظمة؟ يجب أن نرجع إلى ما قبل 40 عاما، حيث كان العالم الإسلامي يبحث عن إطار يجمع شمله، وكان ذلك غير ممكن، وكانت هناك تيارات قوية ضد هذا التجمع، لكن الملك فيصل بن عبد العزيز نجح في إنشاء هذه المنظمة، لذا نرى أن إنشاء هذه المنظمة من أهم الأحداث السياسية في تاريخ الإسلام المعاصر، وفي ال40 عاما، تطورت المنظمة بشكل مهم، وأنشأت مؤسسات مهمة جدا، وبالفعل ران الصدأ وخيم الكسل على المنظمة في بعض الفترات، والآن بفضل الله تعالى خرجت من السبات الشتوي، لتشع بالنشاط، ونتمنى أن تقدم الأفضل مستقبلا.