قرأت في أحد المواقع الإلكترونية المختصة بالرواية وكل ما يمت إليها بصلة رسالة من كاتب عربي لم يبدأ الكتابة بعد، ويبحث عن روائيين خبراء لمساعدته على كتابة رواية أمريكية في جوها وشخوصها وطريقة تناولها للموضوع، بالرغم من أنه لم ير أمريكا من قبل، ولكن يستطيع حسب قناعته أن يكتبها في رواية وبطريقة أفضل من كتابها الأصليين، ويزعم الكاتب الذي لم يبدأ الكتابة بعد أنه سيكون أول عربي يكتب مثل هذه الرواية، وسيؤسس لمدرسة كتابية جديدة بعد أن ينجز روايته وبمساعدة الآخرين الذين يود أن يمنحوه سر الكتابة حتى يستخدم ذلك السر. الموضوع برمته يدعو للعجب أو للضحك، والموقع الذي نشره وطلب من متصفحيه من الكتاب مساعدة الأخ الباحث عن السر لابد نشره نوعا من السخرية؛ لأن لا كاتب في ذهنه نص أو حتى ليس في ذهنه أي نص يبعث بمثل تلك الرسالة، خاصة أنها تدعي الريادة في منجز لم ينجز بعد، وما دام هناك ريادة فلا بد من أفكار عظيمة واجتهادات شخصية، ومحاولات مضنية وسنين من الشقاء والحفر، وساعات يومية من البحث والتقصي، حتى يتم كل شيء، وفي خلال السنوات الطويلة التي عاصرت فيها الكتابة وشاغلي مقاعدها، لم أجد كاتبا يسأل عن طريقة كتابة الرواية، لا أحد يدعي أنه أنجز وهو لم ينجز، ولا أحد يضع عنوانه ورقم هاتفه وبريده الإلكتروني في موقع واسع الانتشار من أجل أن تأتيه رواية جاهزة، أو أفكار ربما يستطيع استخدامها أو لا يستطيع. ما ذكرته يدعم كلامي الذي رددته كثيرا، وهو أن كتابة الرواية أصبحت هواية من لا هواية له، وشغلا من لا شغل له، ومثلما تم امتطاء عربة الشعر من قبل حتى ضجت بما تحمله، وبركت في الدرب لافظة الجيد والرديء، وطاردة للقراء من تلك القراءة، وساحبة الشعر من رقبته لتمرغه في التراب، سيحدث الآن للرواية، ستبرك عربتها قريبا، وسيفر الناس من قراءتها، خاصة أن دور النشر قد كثرت وتشعبت، وما تحصده من مبالغ ضخمة من جيوب مدعي كتابة الرواية كثير جدا، وهكذا. لا أريد أن يصاب مبدعونا الحقيقيون بالإحباط والتشاؤم، ولا أريد أن تتوقف أقلام يانعة ومؤرقة، لكن بالمقابل لا أريد أن يأتي اليوم الذي نجد فيه أنفسنا بلا قراء، بلا فن حقيقي، وبكتب تركد على أرففها من دون أن ينفض غبارها أحد، وقد كنا نتحسر في الماضي على شح الإنتاج العربي مقارنة بالإنتاج الأوروبي الذي ينتج آلاف العناوين شهريا، والآن نتحسر على غزارة الإنتاج الذي ليس كله إنتاجا جديرا بمطالعته.