الثورة الرقمية التي اجتاحت العالم منذ تسعينيات القرن الماضي أثرت على كافة مناحي الحياة، وكان لا بد لدور التربية أن تتأثر هي الأخرى بهذا الواقع. المتأمل بعمق سيلحظ ضعف التعامل مع هذا الواقع في المجال التربوي، حيث لا تزال مقررات الأدب واللغة العربية عموما تغفل واقعا فرض نفسه كمستجد حياتي وثقافي، بل إن ممارساتنا التربوية لا تلتفت إليه وتتجاهله ولا تسهم في تسريع دخول الجيل إلى أتونه، حتى أننا نتساءل: أين نحن كتربويين من هذا الواقع؟. بداهة أن نقول إن الأدب اليوم أخذ شكلا آخر وتغيرت مفاهيم النص في العصر الرقمي من رواية وقصة وشعر ومقالة، إلى نصوص جديدة يصعب تصنيفها، وتغير النص تبعا لذلك من لغة وشخصيات إلى نص عجائبي أو حكائي، كما تبدل مفهومه حيث لم يعد سرديا كما كان. والنص الرقمي اليوم نص جمالي تتمازج فيه الكلمة بالصورة والصوت والحركة بفضل ما أتاحته التقنية في المجال الرقمي للكاتب الذي تغير مفهومه هو الآخر وتبدلت أدواته الكتابية من كلمة يكتبها على ورقة، إلى نص بروابط ومشاهد فيديوية وصور رقمية على وسيط إلكتروني حديث تجاوز الورقة إلى شاشة، وجاءت مصطلحات جديدة تتأرجح بين النص الرقمي والنص الإلكتروني. والنص الأدبي اليوم أصبح يستنجد بشريط «الهايبر تكست» وتحول نصا ترابطيا تتنقل بين فصوله عبر روابط وأيقونات، وتقرأه وسط حشد هائل من الصور وبرامج «الإنيمشن» والصور المتحركة والثابتة والاستماع لأصوات ومقاطع تم تحميلها بدقة وتمت معالجتها بواسطة برامج معينة وبدقة، لخلق نص رقمي جديد يختلف في طريقة قراءته عن الطريقة التقليدية القائمة على تقنية تتبع كلمات النص، وهذا الواقع يشكل تحديا حقيقيا لنا كتربويين، ولنا أن نتساءل: أين تقف مناهجنا ومدارسنا ومعلمونا وطلابنا وبرامجنا التربوية ومناشطنا من هذا الواقع؟. هل من المستحسن أن يظل طالب المرحلة الثانوية يتلقى دروسا عن الأدب القديم والأجناس الأدبية المتعارف عليها بصورتها التقليدية فقط، فيما تغيب عنه مفاهيم العصر الذي يعيشه ويتعاطى مع تقنياته بتمكن، وهل يستقيم بنا الحال إذ نغيبهم عن هذا الواقع الذي يفرض نفسه تدريجيا؟. التربية الجادة تعد أبناءها لمستقبل لم يأت بعد فما بالنا والمستقبل قد أطل برأسه وتشكلت ملامحه، فيما نحن أشد حرصا على اجترار الماضي. هذا الفكرة فيما يبدو غائبة حتى على مستوى الجامعات والتعليم العالي حيث لا يوجد أي مقرر أو منهج يخدم الأدب بشكله الحالي ووفق مساراته المستحدثة والآنية والمستقبلية، والممارسات التربوية القائمة من مواضيع ومقررات وأنشطة ودروس لا تتعامل مع هذا الواقع، الأمر الذي يتيح لطالب اليوم أن يعيش في الزمن القادم الذي تشكلت ملامحه. ومع هذا يظل من أهم أهداف التربية والتعليم في هذه المرحلة خلق ثقافة استيعاب الواقع الجديد والعمل على صناعة جيل يجيد التعامل مع مستجدات التقنية وما تفرزه من قيم وطرائق ومستجدات، وتشجيع الممارسات التي تجعل من الطلاب ينخرطون في الكتابة الرقمية وفي العصر الرقمي عموما، ومن ثم فحري بممارساتنا التربوية أن تبني كل ما يمكن أن يسهم في بناء جيل واع بمعطيات هذا العالم الجديد، فالمدرسة يجب أن تتحول حاضنة تسرع من دخول الفرد العربي والثقافة العربية للعصر الرقمي. هنا تظهر أهمية طرح فكرة وجود رابطة أو هيئة أو لجنة على مستوى الوزارة وإدارات التعليم تكون بمثابة فكر وفكرة تسعى إلى دراسة هذا الواقع وتعمل على إدخال هذه المستجدات إلى مناهجنا ونشاطاتنا وكافة ممارساتنا التربوية، وتعمل على إقحام طالب اليوم في لجة العصر الرقمي عن طريق دروس نظرية ونشاطات وممارسات مختلفة تستوعب هذا القادم بوعي. ونحن هنا نؤمل الكثير على رؤى ووعي وزير التربية الأمير فيصل حيال اتباع سياسات تربوية تفيد من مستجدات العصر. ناصر بن محمد العمري المخواة مشرف تربوي في إدارة التربية والتعليم للبنين