أكد العالم البريطاني والخبير الدولي في تحلية ومعالجة المياه بتقنية النانو رئيس تحرير مجلة المياه العالمية رئيس مركز البحوث والمياه في جامعة نوتنجهام البروفيسور نضال هلال، أن العمل على تقنية النانو يعد أمرا هاما خصوصا أن الصناعات في المستقبل ستعتمد على هذه التقنية، مبينا في الوقت نفسه أن هذه التقنية تسهم بشكل أساسي في حل المشكلات التي تواجه العالم في تحلية المياه وخاصة الدول التي لا تمتلك مصادر مياه عذبة. وأبدى العالم البريطاني الذي شارك في افتتاح جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية إعجابه الشديد باهتمام خادم الحرمين الشريفين بهذه التقنية، قائلا: إن هذا الملك هو أول قائد عربي يهتم بهذه التقنية ويفكر فيها بشكل جدي واصفا جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية بالانجاز العالمي الفريد .. فإلى نص الحوار: تقنية النانو • أولا كيف عرفت اهتمام خادم الحرمين الشريفين بهذه التقنية الحديثة؟ أعمل في مجال تقنية النانو والأغشية وتطبيقها في تحلية المياه منذ أكثر من 17 عاما، وخلال سنوات عملي اطلعت على عدد كبير من العلماء والقادة الذين يشجعون على مثل هذه العلوم وتحفزهم لها، وعندما بدأت في هذا المجال ومن خلال مختبري في تطبيق تقنية القوة الذرية في تصنيع أغشية جديدة لمعالجة المياه وتحليتها بشكل عام، التقيت عددا كبيرا من السعوديين سواء في بريطانيا أو في مؤتمرات علمية خلال السنوات الأخيرة، منهم الباحثة السعودية في هذا المجال الدكتورة الشريفة زهرة بن علي وتباحثنا طويلا عن هذا الموضوع، واستمرينا فيه ثلاث سنوات تقريبا لتطبيق هذه التقنية في عدد من المجالات المختلفة سواء الزراعية ومعالجة المياه والمخلفات البترولية والطبية في التحاليل والعلاج المستهدف وغيرها، لذلك فإني أطلع دائما على الإعلام بشكل عام سواء الإعلام الغربي أو العربي فوجدت اهتماما كبيرا من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في مجال تقنية النانو وتطبيقها في مجال تنقية وتحلية المياه، وحقيقة سرني كثيرا هذا الاهتمام كونه صادرا من قائد عربي له نظرة بعيدة المدى لدراسة الأمور من جزيئات الذرة انتقالا منها إلى المرحلة الصناعية وربط تحلية المياه وأبحاثها في تقنية النانو. وقد دعيت في العام الماضي إلى مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية من قبل نائب رئيسها الأمير تركي بن سعود بن محمد ووجدت منه كل التشجيع، وأفخر بأنني التقيت قائدا علميا عربيا، وحريصا جدا في تطبيق سياسة خادم الحرمين الشريفين في مجالات مختلفة، وكان لنا حديث عام وبشكل خاص عن تطبيق النانو في مجال تنقية المياه، كون ذلك من اختصاصي ، والقيت محاضرة عن هذا الموضوع في مدينة الملك عبد العزيز، ووجدت التشجيع الكامل من الأساتذة والعاملين في المدينة وتحفزهم لمعرفة النانو وتطبيقاته في مجالات مختلفة، وقبل سنتين تقريبا دعيت من قبل أحد المهتمين بهذه التقنية أيضا وهو الأمير بدر بن سعود آل سعود وعقدت معه لقاء طويلا عن فكرة أغشية النانو وتطبيقها في تحلية المياه، وقد وجدت عنده الفكر الثاقب في هذا المجال عن تطوير أغشية النانو في المملكة، ولا يوجد لها مُصنع في العالم العربي والشرق الأوسط فهي تصنع من قبل شركات معينة في العالم تحتكر الصناعة وتبيعها إلى العالم الثالث كأنها علبة سوداء مبهمة وكان هذا الموضوع هو محور حديثنا مع الأمير بدر وأعجبتني نباهته في هذا المجال. وقد علمت عن تشجيع خادم الحرمين الشريفين للعلم والعلماء وصرفه الكثير من أجل دفع عجلة التقدم العلمي والتقني في المملكة لإنشاء العديد من المراكز العلمية والجامعات، كما علمت عن اهتمامه بهذه التقنية وتدريسها في الجامعات وأنها كانت حلمه منذ عشرين عاما، ولقد سعدت بتحقق حلمه في إنشاء مدينة خاصة لهذه التقنية وفكرة إنشاء هذه الصناعة في المملكة للتصدير للعالم. لقد طورت عددا من الأغشية الحديثة مما جعلها أكثر فعالية من الأغشية الموجودة الآن وكان حديثي مع المهتمين عن تصنيع وتطوير هذه الأغشية في المملكة، وبالتالي يمكننا كسر الاحتكار ونضع المملكة كدولة مصنعة لهذه التقنية بما يفوق ما هو موجود في العالم وكذلك التصدير للخارج وكان هذا مشجعا كبيرا لي، لقد رأيت عددا من الباحثين والمهتمين في المملكة في هذه التقنية ومن الجيد أن نرى مثل هذه الاهتمامات في العالم العربي لأنها تقنية المستقبل. مجس حيوي • ما هي أنسب المجالات لتطبيق النانو في المملكة بشكل عام؟ دعني أرجع قليلا إلى ما قبل عشر سنوات، فالكثير من الناس عندما يسمع هذه التقنية كانوا لا يتصورون ذلك، وأتذكر جيدا في عام 1998م عندما طورت أول مجس حيوي لقياس الطاقة على مستوى النانو، كان الكثير من الناس لم يكادوا يصدقون حتى رأوه بأعينهم، وفي مؤتمر علمي أقيم في عام 1998م كنت أول من أظهر للعلماء الحاضرين سواء الغربيين أو من الشرق الأوسط أن أغشية النانو تحتوي على ثقوب من خلال استخدام مجهر القوة الذرية، وجرى نقاش حاد في مناقشة هذه النظرية العلمية ونشرت هذا البحث عالميا وكل العالم الآن يتبع ما ذكرته في المؤتمر فقد وجدوا أن هناك ثقوبا في أغشية النانو بما يقارب بين واحد إلى خمس نانومتر، ففي العالم العربي والشرق الأوسط هناك تطبيقات متنوعة لهذه التقنية مثل تسهيل العلميات الهندسية وتعجيلها سواء كانت العلميات البترولية أو البدائية أو المياه وغيرها، وبالتالي تقل تكلفة الصناعية والوقت. وتشمل تطبيقاتها في المجالات الصناعية كالصناعات الدوائية والغذائية والبترولية والمياه بشكل عام، مثل تحلية المياه أو تنقيتها من المستنقعات أو البحيرات الملوثة أو الأنهار وكذلك مخلفات المصانع، فيمكن أن نستخلص منها المياه الصالحة للاستخدامات الزراعية وتنتج من ذلك مخلفات مفيدة أيضا. زيادة السكان • كيف نستطيع استخدام هذه التقنية في تحلية المياه وما أبرز عوائدها الإيجابية؟ مشكلة المياه كبيرة جدا في العالم وتتفاقم يوميا، ونعد ثاني أكبر سكان العالم «ستة بلايين» وخلال 30 عاما سيزيد هذا العدد إلى 50 في المائة ويصبح تسعة بلايين يعني، بمعدل 4.2 ولادة كل ثانية على وجه الأرض وعدد الوفيات 1.7 في الثانية بما يعني أن هناك 2.5 شخص في كل ثانية في العالم يزيد سكان الأرض وفي كل دقيقة يزيد السكان بما يعادل 250 شخصا ولو حولنا هذا الرقم حسب الساعات نجد أن في كل ساعة ولادة تسعة آلاف شخص في الساعة وهذا رقم هائل جدا ونحن نعاني من مشكلة المياه مما يعني أنه بعد 30 عاما ستزيد هذه المعاناة، وإضافة إلى ذلك ووفقا للحضارة والتصنيع التي نعيشها يوميا نجد أنه تزيد من هذه الأزمة ويكون استهلاكنا للمياه بشكل كبير جدا ولابد أن تكون لدينا بدائل لتحلية المياه، ومن هنا جاءت نظرة خادم الحرمين الشريفين في استخدام تقنية النانو في تحلية المياه بشكل عام، ونحن نعلم أن معظم مياه المملكة مالحة من مياه البحر، ونعرف أن ثلاثة أرباع الأرض من مياه البحار، والمياه الموجودة في أوروبا مثل الأنهار وغيرها، مياه ملوثة وهناك أزمة مياه كبيرة جدا ومن هنا جاءت فكرة استخدام تقنية النانو في تحلية المياه، وما يطبق في المملكة في مجال التحلية، هو التقنية الحرارية، وهذا يستهلك كمية كبيرة من الطاقة، لذلك تحتاج منها طاقة تسخين وتبخير ونقل للمياه فواحد كيلو غرام من الماء يعني أننا نحتاج إلى 2200 كيلوجول إضافة إلى ذلك كمية كبيرة من الطاقة الكهربائية نحتاجها لضخ المياه وتبريدها فالبديل المعروف حاليا هو تطبيق الأغشية وما نسميه التناضح العكسي وغيره والطاقة التي نحتاجها للأغشية هي فقط للضغط التناضحي للمياه يعني فقط طاقة المضخات فلا يوجد تسخين ولا غليان ويكون هناك توفير كبير جدا من الطاقة من خلال الأغشية ونتلافى بذلك أيضا إقفال محطات التحلية المتكرر بسبب ترسب الأملاح حيث تغلق المحطة لإزالة هذه الرسوبيات وهذا يؤثر كثيرا في هذه العملية ويسبب نقصا في الإنتاج لكن باستخدام هذه التقنية يكون هناك إنتاج أكثر بطاقة أقل ولسنوات طويلة ونحن نهدف لتصنيع هذه الأغشية ونصدرها من المملكة وبالتالي نقل هذه التكنولوجيا للشباب السعودي وتدريبهم عليها بدلا من أن نستورد من الخارج. بحوث وأطروحات • إذا، ما المستقبل التعليمي لها في المملكة؟ علم النانو علم جديد ونرى حاليا شهادات في الماجستير، وأنا أدرس مادة تقنية النانو والتصنيع في ماجستير المياه والبترول وهندسة المياه ويمكن تدريب هذه المواد لدرجة الماجستير في المملكة وإجراء بحوث كأطروحات في هذا المجال إضافة إلى ذلك التوعية للطلاب وخاصة كبار السن بالنانو وأنه علم جديد فلابد من إدخال أساسياتها في مراحل التعليم الأولى، فالجامعات بشكل خاص يمكنها أن تدرس مواد تقنية النانو كمادة في الدراسات الجامعية وفي الماجستير عن طريق الأبحاث في هذا المجال. تدريب الطلاب • كيف يمكننا خلق توجهات تجاه ذلك للملتحقين بالتعليم العالي؟ يكون ذلك بتوعية وتدريب الطلاب بأهمية هذه المواد، ويمكن إنشاء هذه الدراسات في المملكة، ولابد أن يستقطب في مركز الأبحاث العلماء لتخريج الجيل الجديد وعلماء المستقبل، وما يقوم به الغرب، وأؤيده تماما، فهناك إمكانية لإدخال بعض المحاضرات عن هذه التقنية في مجال الفيزياء والكيمياء أو الأحياء لطلبة المرحلة الثانوية، ومن خلال توعيتهم وإطلاعهم على تقنية النانو وإعطائهم معلومات واسعة عنها وعندما ينتقلون إلى المرحلة الجامعية ستكون لديهم فكرة جيدة. التجاذبية والتعاقدية • وفيم يتركز عملكم في هذه التقنية؟ أقوم بتطوير هذه الأغشية بقياس القوة الذرية بين جسيمات الملوثات التي قياسها بالنانو مع الأغشية التي تستخدم في المياه، ولدينا نوعان من القوى فهناك التجاذبية والتعاقدية فإذا كان هناك تجاذب بين هذه الملوثات والأغشية فهذه الملوثات ستلتصق على الأغشية وتكون ترسبات، نقوم بتطوير أغشية نانو جديدة بإضافة مواد نانونية إلى الأغشية نفسها بزيادة قوى التعاقد بين الجسيمات الملوثة النانونية وأغشية النانو. القوى الأيونية • ما آخر ما توصلتم إليه في هذا المجال؟ قمت خلال السنوات الماضية بتطوير أصغر جهاز لقياس القوى الأيونية بين الملوثات والأغشية، وهو أول جهاز من نوعه، وهذه القوى مقياسها بالنانو نيوتن وكذلك بالبيكو نيوتن، فإذا ما تنبأنا لذلك فيمكننا أن نطور ونصمم عمليات صناعية على مستوى كبير في هذا المجال، إضافة إلى ذلك قمت بقياس أصغر جهاز لقياس اللزوجة على مستوى النانو، ويمكننا من خلال هذه التقنية أن نصمم هذه الزيوت للعمل لفترة طويلة وبفاعلية أكبر، إضافة إلى ذلك قمت بتطوير أول مجس خلوي، نقوم من خلاله بقياس القوى بين الخلايا والأجسام الأخرى، هذه الأجسام ستكون خلايا أو شرايين وغيرها في وجود وسط مائي أو الدم أو في العلميات الهندسية نفسها وبالتالي نتحكم في عمليات الترسبات ونحوها، حاليا نقوم بتطوير أغشية نانو بوجود أنابيب تعمل على تقنية النانو، وقد شاهدت في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية أنهم يقومون بتصنيع هذه الأنابيب النانونية، وهي تطبق في عدة صناعات مثل تحلية المياه وتنقيتها، لكن السؤال يكمن في كيفية تطبيقها، وحاليا لدي مشروع بحثي يقوم على هذا التطبيق بتصنيع هذه الأنابيب في الولاياتالمتحدة مع بعض العلماء الأمريكان الذين يعملون معي لتصنيع أغشية جديدة، بالإضافة إلى أن هناك عددا من الأمور التي نستطيع تطويرها في هذا المجال، وأنا على يقين أن المملكة برعاية خادم الحرمين الشريفين وباهتمامه الشديد بتقنية النانو يمكن أن تستغل هذه الأمور وتكون من الدول المتطورة في مجال تقنية النانو. • وماذا عن مستقبل هذا المجال التقني الحيوي والهام؟ تمثل شيئا كبيرا، فعلى سبيل المثال ستسهم في تصنيع العديد من المواد سواء الطبية أو الغذائية ونحوها في أجسام مختلفة بتقنية النانو لتكون لها صفات فائقة للمواد المصنعة حاليا بالطرق التقليدية. السعودية رائدة • كيف نستطيع معرفة التوجه العام للاهتمام بذلك في العالم العربي؟ بالنسبة للعالم العربي فأنا أرى أن الدولة الرائدة في هذا المجال هي المملكة العربية السعودية، وما وجدته من خلال نقاشاتي مع الأميرين تركي وبدر، ومن خلال ما أراه وما سمعته من خادم الحرمين الشريفين أرى أن هناك مستقبلا واعدا للمملكة في هذا المجال، لذلك لابد أن تسرع في عملية التصنيع حتى تسابق الدول المتقدمة وتسير في ركبهم، فالتقنية موجودة لكن يتبقى التنفيذ صناعيا، هذا يتطلب الدعم من كافة القطاعات الحكومية لتشجيع هذا الأمر، فالتقنية خلال السنوات الخمس القادمة وفي الدول المصنعة ستعتمد على هذا العلم، ولابد من الانتقال من طور الأبحاث إلى التصنيع. هناك العديد من العلماء السعوديين وطلاب الدراسات العليا في المملكة لديهم المعرفة الكبيرة في مجال تقنية النانو، وما وجدته من مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية وما يقوم به الأمير تركي في هذا المجال هو عمل جبار في تطوير أعمالهم في هذا المجال بينما لم أجد تطبيقا له في مجال المياه لأن السيطرة كانت في القرن العشرين للبترول أما القرن الواحد والعشرين فهي للماء، والماء سينتهي، بينما البترول لن ينتهي وهذه مشكلة كبيرة يعاني منها العالم بالإضافة إلى أن الاعتماد الأكبر في المياه على التحلية، فللأسف هناك 250 ألف شخص يموتون كل شهر من الجوع وقلة المياه الصالحة للشرب إضافة إلى المشاحنات بين عدد من الدول من أجل المياه ففي المياه أمن صناعي وغذائي.